وفيه إشارة إلى أنّ إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله تعالى ، حسبما أمر في تضاعيف السورة الكريمة ، غاية مطلبهم.
قال البقاعيّ : فتضمّن ذلك وجوب قتال الكافرين. وأنهم أعدى الأعداء. وأنّ قوله (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ليس ناهيا عن ذلك. وإنّما هو إشارة إلى أنّ الدين صار في الوضوح إلى حدّ لا يتصور فيه إكراه. بل ينبغي لكلّ عاقل أن يدخل فيه بغاية الرغبة فضلا عن الإحواج إلى إرهاب. فمن نصح نفسه دخل فيه بما دلّ عليه عقله ، ومن أبى دخل فيه قهرا بنصيحة الله التي هي الضرب بالحسام ونافذ السهام.
وقد ورد في (صحيح مسلم) (١) عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى قال عقب كلّ دعوة من هذه الدعوات : قد فعلت».
وقد روى البخاريّ (٢) والجماعة عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة ، في ليلة ، كفتاه».
وروى الإمام أحمد (٣) عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش ، لم يعطهنّ نبيّ قبلي».
وأخرج مسلم (٤) عن ابن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة. إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض ، فيقبض منها. وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها ، فيقبض منها. قال : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦] ، قال : فراش من ذهب قال ، فأعطي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا ، المقحمات.
__________________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه في : الإيمان ، حديث ٢٠٠ ونصه : عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) [البقرة : ٢٨٤] قال ، دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «قولوا سمعنا وأطعنا وسلّمنا» قال فألقى الله الإيمان في قلوبهم. فأنزل الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) (قال : قد فعلت) (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) (قال : قد فعلت) (وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا) (قال : قد فعلت) [البقرة : ٢٨٦].
(٢) أخرجه البخاريّ في : فضائل القرآن ، ١٠ ـ باب فضل سورة البقرة.
(٣) أخرجه في المسند في ٥ / ١٥١.
(٤) أخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث ٢٧٩.