والمقسمات فيها اشتباه ، لأن اللفظ يحتمل الرياح والسحاب والنجوم والملائكة ويحتمل غير ذلك ، إذ ليس في اللفظ ذكر الموصوف. والتأويل الذي لا يعلمه إلا الله هو أعيان الرياح ومقاديرها وصفاتها وأعيان السحاب وما تحمله من الأمطار ومتى ينزل المطر. وكذلك في الجاريات والمقسمات ، فهذا لا يعلمه إلا الله تعالى. وكذلك في قوله : (أنا ونحن) ونحوهما من أسماء الله التي فيها معنى الجمع كما اتبعته النصارى ، فإن معناه معلوم وهو الله سبحانه ، لكن اسم الجمع يدل على تعدد المعاني بمنزلة الأسماء المتعددة ، مثل العليم والقدير والسميع والبصير ، فإن المسمى واحد ، ومعاني الأسماء متعددة ، فهكذا الاسم الذي لفظه الجمع. وأما التأويل الذي اختص الله به. فحقيقة ذاته وصفاته ، كما قال مالك : والكيف مجهول فإذا قالوا : ما حقيقة علمه وقدرته وسمعه وبصره؟ قيل : هذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. وما أحسن ما يعاد التأويل إلى القرآن كله. فإن قيل : فقد قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لابن عباس (١) : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. قيل : أما تأويل الأمر والنهي فذاك يعلمه ، واللام هنا للتأويل المعهود ، لم يقل تأويل كل القرآن. فالتأويل المنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلا الله ، والتأويل المعلوم هو الأمر الذي يعلم العباد تأويله. وهذا كقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [الأعراف : ٥٣] ، وقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) [يونس : ٣٩] ، فإن المراد تأويل الخبر الذي فيه عن المستقبل ، فإنه هو الذي ينتظر ويأتي ، ولما يأتهم. وأما تأويل الأمر والنهي فذاك في الأمر ، وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى إن أدخل في التأويل لا ينتظر ، والله سبحانه أعلم وبه التوفيق. انتهى كلام الشيخ تقي الدين. وإنما سقته بطوله لما أن هذا البحث من المعارك المهمة التي قل من حررها ونهج فيها منهج الحق كالشيخ قدس سرّه. مع ما في خلال البحث من القواعد الجليلة في فن التفسير. فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وقال الإمام الجليل أبو عبد الله محمد بن المرتضى اليمانيّ في كتاب «إيثار الحق على الخلق» في بحث سبب الاختلاف الشديد بين الفرق ما نصه :
وأما الأصل الثاني وهو السمعيّ فهو اختلافهم في أمرين :
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في : المقدمة ، ١١ ـ باب فضائل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حديث ١٦٦ ، ونصه : عن ابن عباس قال : ضمني رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال «اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب».