فمنهم من صرح بذلك وقال : إن كلامه أنفع من كلام الله تعالى ، وكتبه أهدى من كتب الله ، وهم الحسينية أصحاب الحسين بن القاسم العنانيّ. وقد حمله الإمام المطهر بن يحيى على الجنون ، وقيل : لم يصح عنه. ومنهم من يلزمه ذلك وإن لم يصرح به. فهذا الأمر الأول من المتشابه وهو التحكم بالنظر في ذات الله تعالى. وما يؤدي إليه.
الأمر الثاني ـ من المتشابه الواضح تشابهه والمنع منه ، هو النظر في سر القدر السابق في الشرور مع عظيم رحمة الله تعالى وقدرته على ما يشاء. وقد ثبت في كتاب الله تعالى تحير الملائكة الكرام عليهمالسلام في ذلك وسؤالهم عنه بقولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠] ، ثم ساق خبر آدم وتعليمه الأسماء وتفضيله في ذلك عليهم إلى قوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة : ٣٣] ، وفي ذلك إشارة واضحة إلى ما سيأتي بيانه من أن مراد الله بالخلق هم أهل الخير ، فالخلق كلهم كالشجرة ، وأهل الخير ثمرة تلك الشجرة ، وإليه الإشارة بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، وفي حديث الخليل عليهالسلام حين دعا على العصاة ، قال الله : كفّ عن عبادي. إن مصير عبدي مني إحدى ثلاث : إما أن يتوب فأتوب عليه ، أو يستغفرني فأغفر له ، أو أخرج من صلبه من يعبدني ـ رواه الطبرانيّ ـ.
وقال الإمام الغزاليّ في كتاب العلم في (الإحياء) في أقسام العلوم الباطنة : ولا يبعد أن يكون ذكر بعض الحقائق مضرّا ببعض الخلق ، كما يضر نور الشمس أبصار الخفافيش وكما يضر ريح الورد بالجعل. وكيف يبعد هذا ، وقولنا : إن كل شيء بقضاء من الله وقدر ـ حق في نفسه ، وقد أضر سماعه بقوم حيث أوهم ذلك عندهم دلالة على السفه ، ونقيض الحكمة ، والرضا بالقبيح والظلم. وألحد ابن الراونديّ وطائفة من المخذولين بمثل ذلك. وكذلك سر القدر لو أفشي أوهم عند أكثر الخلق عجزا ، إذ تقصر أفهامهم عن إدراك ما يزيل هذا الوهم عنهم.
وقال في شرح (أسماء الله الحسنى) في شرح الرحمن الرحيم : والآن إن خطر لك نوع من الشر لا ترى فيه خيرا ، أو إن تحصيل ذلك الخير من غير شر أولى ، فاتهم عقلك القاصر في كلا الطرفين ، فإنك مثل أم الصبيّ التي ترى الحجامة شرّا محضا ، والغبيّ الذي يرى القصاص شرّا محضا ، لأنه ينظر إلى خصوص شخص المقتول ، وأنه في حقه شر محض ، ويذهل عن الخير العام الحاصل للناس كافة ، ولا يدري أن