حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة ، فقال أبو سفيان : والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم ، قال : فلا تفعل ، فإني لك ناصح. فرجعوا على أعقابهم إلى مكة ـ انتهى ـ وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢)
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي دعوة الله ورسوله إلى الخروج في طلب أبي سفيان إرهابا له (مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) بأحد (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) بطاعته (وَاتَّقَوْا) مخالفته (أَجْرٌ عَظِيمٌ) روى البخاريّ (١) عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية قالت لعروة : يا ابن أختي! كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما. لما أصاب نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم ما أصابه يوم أحد ، وانصرف عنه المشركون ، خاف أن يرجعوا فقال : من يذهب في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم أبو بكر والزبير ، قال أبو هشام : ولما ثنى معبد أبا سفيان ومن معه ، كما تقدم ، مرّ بأبي سفيان ركب من عبد القيس ، فقال : أين تريدون؟ قالوا : نريد المدينة ؛ قال : ولم؟ قالوا : نريد الميرة ، قال : فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه ، وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا؟ قالوا : نعم ، قال : فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد جمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم ، فمرّ الركب برسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فأنزل الله تعالى في ذلك :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣)
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) أي الركب المستقبل لهم (إِنَّ النَّاسَ) أي أبا سفيان وأصحابه (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) أي الجموع ليستأصلوكم (فَاخْشَوْهُمْ) ولا تأتوهم (فَزادَهُمْ) أي ذلك القول (إِيماناً) أي تصديقا بالله ويقينا. والمعنى : أنهم لم
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : المغازي ، ٢٥ ـ باب (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).