يلتفتوا إليه ولم يضعفوا ، بل ثبت به عزمهم على طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم في كل ما يأمر به وينهى عنه. وفي الآية دليل على أن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا ، فإن ازدياد اليقين بتناصر الحجج ، وكثرة التأمل ، مما لا ريب فيه (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي كافينا أمرهم من غير عدة لنا ولا عدد (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أي الموكول إليه والمفوض إليه الأمر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤)
(فَانْقَلَبُوا) أي رجعوا من حمراء الأسد (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) يعني : العافية وكمال الشجاعة وزيادة الإيمان والتصلب في الدين (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) أي لم يصبهم قتل ولا جراح (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) أي في طاعة رسوله بخروجهم وجراءتهم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) حيث تفضل عليهم بالعافية وما ذكر معها ، وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم. وفيه تحسير للمتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به.
فائدة :
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) استحباب هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة.
تنبيه :
حمل الآية على غزوة حمراء الأسد ، هو ما قاله الحسن وقتادة وعكرمة وغير واحد. وروي أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى. قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : في قوله تعالى (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ ...) الآية ـ أن أبا سفيان قال ، لما انصرف من أحد : موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا! فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : عسى! فانطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم لموعده حتى نزل بدرا ، فوافقوا السوق فيها ، فابتاعوا ، فذلك قوله تعالى (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ ...) الآية ـ قال : وهي غزوة بدر الصغرى ـ رواه ابن جرير ـ وأخرج أيضا عن ابن جريج قال : لما عمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لموعد أبي سفيان ، فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش ، فيقولون : قد جمعوا لكم (يكيدونهم بذلك ، يريدون أن يرعبوهم) فيقول المؤمنون (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) حتى قدموا بدرا ، فوجدوا أسواقها عافية ، لم ينازعهم فيها أحد.