عليه فقد أصابوا ، وأنها جميعا من عند الله ، فهكذا قصد من إنزالها ، فلا ينبغى لأحد أن يمنع آخرين من أن يقرءوا بأى حرف من الأحرف السبعة ، وأن المراد بالأحرف وجوه فى الألفاظ ، كأن نقرأ الآية : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (٨) (المؤمنون) ، مرة نقول لأماناتهم ، ومرة لأمانتهم ؛ أو نقرأ الآية : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) (١٩) (سبأ) مرة بنصب لفظ «ربّنا» منادى ، ولفظ «باعد» فعل أمر ، ومرة نضم اللفظ باعتباره دعاء فنقول «ربّنا» ، و «بعّد» بدلا من «باعد». وقيل الأوجه السبعة التى يقع بها التغاير فى القراءة هى : أولا : تغيير الحركة مثل «ولا يضار كاتب» (البقرة ٢٨٢) مرة بفتح الراء ، ومرة بضمها ؛ وثانيا : تغيير الفعل مثل «بعّد» و «باعد» ؛ وثالثا : تغيير اللفظ مثل : «ننشزها» ، و «ننشرها» فى الآية ٢٥٩ من سورة البقرة ؛ ورابعا : تغيير حرف مثل «طلح منضود» ، نغيرها «طلع منضود» الآية ٢٩ من سورة الواقعة ؛ وخامسا : تغيير التقديم والتأخير ، مثل : «وجاءت سكرة الموت بالحق» ، و «وجاءت سكرة الحق بالموت» الآية ١٩ من سورة ق ؛ وسادسا : تغيير بالزيادة والنقصان ، مثل «وما خلق الذكر والأنثى» «والذكر والأنثى» بنقص لفظ «ما خلق» الآية ٣ سورة الليل ؛ وسابعا : تغيير بإبدال كلمة بأخرى مثل «كالعهن المنفوش» و «كالصوف المنفوش» الآية ٥ من سورة القارعة .. إلخ. وتشتمل المصاحف العثمانية على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة جميعها ، وقيل المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب ، أى أن القرآن لم تخرج قراءته عن إحدى هذه اللغات السبع من لغات العرب ، وهى : لغات قريش ، وهذيل ، وثقيف ، وهوازن ، وكنانة ، وتميم ، واليمن ، وهى أفصح لغات العرب ، ولا يفهم أن كل كلمة فى القرآن تقرأ بسبع طرق أو لغات ، وإنما أن اللغات السبع مفرّقة فى القرآن ، فبعضه بلغة قريش ، وستجد فيه من لغة هذيل ، ومن اللغات الأخرى ، فمثلا لفظ «سامدون» (النجم ٦١) هى لفظة حميرية ؛ و «خمرا» (يوسف ٣٦) لفظة عمانية ؛ و «بعلا» (الصافات ١٢٥) أى ربّا بلغة أزد شنوءة ؛ و «لا يلتكم» (الحجرات ١٤) أى لا ينقصكم بلغة بنى عبس ؛ و «فباءوا» (البقرة ٦١) بلغة جرهم ؛ و «رفث» (البقرة ١٩٧) بلغة مذجح ؛ و «تسيمون» (النحل ١٠) بلغة خثعم إلخ ، حتى قيل إن فى القرآن قراءات من أربعين لغة عربية ، هى لغات : قريش ، وهذيل ، وكنانة ، وخثعم ، والخزرج ، وأشعر ، ونمير ، وقيس عيلان ، وجرهم ، واليمن ، وأزد شنوءة ، وكندة ، وتميم ، وحمير ، ومدين ، ولخم ، وسعد العشيرة ، وحضر موت ، وسدوس ، والعمالقة ، وأنمار ، وغسّان ، ومذجح ، وخزاعة ، وغطفان ، وسبأ ، وعمان ، وبنو حنيفة ، وثعلب ، وطىّ ، وعامر بن صعصعة ، وأوس ، ومزينة ، وثقيف ، وجذام ، وبلىّ ، وعذرة ، وهوازن ، والنّمر ، واليمامة.
* * *