(وَإِذا حَلَلْتُمْ) أي خرجتم من الإحرام ، أو خرجتم من الحرم إلى الحل (فَاصْطادُوا) أي : فلا جناح عليكم في الاصطياد (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) أي : لا يحملنكم على الجريمة ، شدة بغض قوم (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). أي لأن صدوكم عن زيارته والطواف به للعمرة. وقرئ بكسر الهمزة من (إن) على أنها شرطية (أَنْ تَعْتَدُوا) أي : عليهم. قال أبو السعود : وإنما حذف ، تعويلا على ظهوره ، وإيماء إلى أن المقصد الأصلي من النهي ، منع صدور الاعتداء عن المخاطبين ، محافظة على تعظيم الشعائر. لا منع وقوعه على القوم ، مراعاة لجانبهم ، وهو ثاني مفعولي (يَجْرِمَنَّكُمْ) أي : لا يكسبنكم شدة بغضكم لهم ، لصدهم إياكم عن المسجد الحرام ، اعتداءكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفّي.
تنبيهات :
الأول ـ قال ابن كثير : أي : لا يحملنكم بغض قوم ، قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام ، وذلك عام الحديبية ، على أن تعتدوا حكم الله فيهم ، فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا ، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد. وهذه الآية كما سيأتي من قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا ، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨]. أي : لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل. فإن العدل واجب على كل أحد ، في كل أحد ، في كل حال. وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك ، بمثل أن تطيع الله فيه. والعدل ، به قامت السموات والأرض. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا سهل بن عفان ، حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحديبية وأصحابه ، حين صدهم المشركون عن البيت. وقد اشتد ذلك عليهم. فمر بهم ناس من المشركين من أهل المشرق ، يريدون العمرة. فقال أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم. فأنزل إليه هذه الآية.
الثاني : قوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) نهي عن إحلال قوم من الآمين ، خصوا به مع اندراجهم في النهي عن إحلال الكل كافة ، لاستقلالهم بأمور ربما يتوهم كونها مصححة لإحلالهم ، داعية إليه.
الثالث ـ لعل تأخير هذا النهي عن قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ، مع ظهور تعلقه بما قبله ، للإيذان بأن حرمة الاعتداد لا تنتهي بالخروج عن الإحرام ، كانتهاء حرمة الاصطياد به ، بل هي باقية ما لم تنقطع علامتهم عن الشعائر بالكلية.