وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض بسائر الآمين ، بالطريق الأولى. أفاده أبو السعود.
الرابع ـ دلت الآية على أن المضارّة ممنوعة. ومثله قوله عليه الصلاة والسلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». (١). وقوله عليه الصلاة والسلام : «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» (٢). ذكره بعض الزيدية. وفي (الإكليل) : في الآية النهي عن الاعتداء وأنه لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
الخامس ـ (جرم) جار مجرى (كسب) في المعنى وفي التعدي إلى مفعول واحد ، وإلى اثنين ، يقال : جرم ذنبا ، نحو كسبه. وجرمته ذنبا ، نحو كسبته إياه ، خلا أن (جرم) يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه. وهو السبب في إيثاره هاهنا على الثاني. وقد ينقل الأول من كل منهما بالهمزة إلى معنى الثاني. فيقال : أجرمته ذنبا وأكسبته إياه. وعليه قراءة من قرأ (يَجْرِمَنَّكُمْ) بضم الياء. أفاده أبو السعود.
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون ، أمروا ، إثر ما نهوا عنه ، بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى. ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى. فدخل فيه ما نحن بصدده من التعاون على العفو والإغضاء عما وقع منهم ، دخولا أوليا. ثم نهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي. فاندرج فيه النهي عن التعاون على الاعتداء والانتقام بالطريق البرهاني : أفاده أبو السعود.
قال ابن جرير : الإثم : ترك ما أمر الله بفعله. والعدوان : جواز ما حدّ الله في الدين ، ومجاوزة ما فرض الله في النفس والغير. وفي معنى الآية أحاديث كثيرة. منها ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الدال على الخير كفاعله». رواه البزار. وعن أبي مسعود البدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣) : «من دل على خير فله مثل أجر فاعله». رواه مسلم. وعن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٤) : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في : الأحكام ، ١٧ ـ باب من بنى في حقه ما يضر بجاره ، حديث ٢٣٤٠ و ٢٣٤١.
(٢) أخرجه أبو داود في : البيوع ، ٧٩ ـ باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده ، حديث ٣٥٣٥ عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه مسلم في : الإمارة ، ٣٨ ـ باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره ، وخلافته في أهله بخير ، حديث ١٣٣.
(٤) أخرجه مسلم في : العلم ، حديث ١٦.