قال في الآية : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا فإن نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : والحاصل أنها نزلت بسبب كثرة المسائل. إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان ، وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة.
الثاني ـ قال ابن كثير : ظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته. فالأولى الإعراض عنها وتركها. وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : لا يبلغني أحد عن أحد شيئا. فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. ورواه أبو داود (٢) والترمذي (٣).
الثالث ـ قال الإمام ابن القيّم في (أعلام الموقعين) :
لم ينقطع حكم هذه الآية. بل لا ينبغي للعبد أن يتعرّض للسؤال عمّا إن بدا له ساءه. بل يستعفي ما أمكنه ، ويأخذ بعفو الله. ومن هاهنا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا صاحب الميزاب! لا تخبرنا. لمّا سأله عن رفيقه عن مائه : أطاهر أم لا؟
وكذلك لا ينبغي للعبد أن يسأل ربه أن يبدي له من أحواله وعاقبته ما طواه عنه وستره فلعلّه يسوءه إن أبدي له. فالسؤال عن جميع ذلك تعرض لما يكرهه الله. فإنه سبحانه يكره إبداءها ، ولذلك سكت عنها.
وما ذكره من التعميم هو باعتبار ظاهرها. وأما المقصود أولا وبالذات ـ كما يفيده تتمتها ـ فهو النهي عن السؤال بما يسوء إبداؤه في زمن الوحي.
ويدل له ، ما رواه البخاريّ (٤) عن سعد بن أبي وقاص : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : إنّ أعظم المسلمين جرما ، من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته.
فإن مثل ذلك قد أمن وقوعه.
__________________
(١) أخرجه في المسند ١ / ٣٩٦ والحديث رقم ٣٧٥٩.
(٢) أخرجه أبو داود في : الأدب ، ٢٨ ـ باب في رفع الحديث من المجلس ، حديث رقم ٤٨٦٠.
(٣) أخرجه الترمذي في : المناقب ، ٦٣ ـ باب فضل أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(٤) أخرجه البخاري في : الاعتصام بالكتاب والسنة ، ٣ ـ باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه ، حديث ٢٥٨٦.