الأدلة على معرفته وتوحيده. ثم بيّن طريق الضلال ، وطريق الهدى ، بإنزال الشرائع والكتب السماوية. (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فناسب المقام (ثم) الاستبعادية ، إذ ببعد من العاقل الناظر بعد إقامة الدليل ، اختيار الباطل. انتهى.
وعليه فجمع (الظلمات) وتوحيد (النور) ظاهر. لأن الهدى واحد ، والضلال متعدد ، كما قال في آخر هذه السورة : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣].
وعلى الأول ، فجمعها لظهور كثرة أسبابها ومحالها عند الناس ، فإن لكل جرم ظلمة ، وليس لكل جرم نور. وأما تقديمها فلسبقها في التقدير والتحقق ، على النور.
وفي الأثر (١) : إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رشّ عليهم من نوره.
وقوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) معطوف على الجملة السابقة الناطقة بما مر من موجبات اختصاصه تعالى ، بالحمد المستدعى لاقتصار العبادة عليه. مسوق لإنكار ما عليه الكفرة ، واستبعاده من مخالفتهم لمضمونها ، واجترائهم على ما يقضي ببطلانه بديهة العقول. والمعنى أنه تعالى مختص باستحقاق الحمد والعبادة ، باعتبار ذاته ، وباعتبار ما فصل من شؤونه العظيمة الخاصة به ، الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ، ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه ، ويعدلون به سبحانه. أي : يسؤون به غيره في العبادة التي هي أقصى غايات الشكر ، الذي رأسه الحمد ، مع كون كل ما سواه مخلوقا له ، غير متصف بشيء من مبادئ الحمد.
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ص ١٧٦ ج ٢ والحديث رقم ٦٦٤٤ ونصه : عن عبد الله بن الدّيلمي قال : دخلت على عبد الله بن عمرو ، وهو في حائط له بالطائف ، يقال له الوهط ، وهو مخاصر فتى من قريش ، يزنّ بشرب الخمر. فقلت له : بلغني عنك حديث : أن من شرب شربة خمر لم يقبل الله له توبة أربعين صباحا. وأن الشقي من شقي في بطن أمه ، وأن من أتى بيت المقدس لا ينهزه إلا الصلاة فيه خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه.
فلما سمع الفتى ذكر الخمر ، اجتذب يده من يده ، ثم انطلق.
ثم قال عبد الله بن عمرو : إني لا أحلّ لأحد أن يقول عليّ ما لم أقل.
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ...
وسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «إن الله عزوجل خلق الخلق في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ. فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ، ومن أخطأ ضلّ. فلذلك أقول : جف القلم على علم الله عزوجل».
وسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ...
رواه الترمذي في : الإيمان ، ١٨ ـ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة.