وكلمة (ثم) لاستبعاد الشرك بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية ، القاضية ببطلانه. و (الباء) متعلقة ب (يعدلون) ووضع (الرب) موضع ضميره تعالى ، لزيادة التشنيع والتقبيح. والتقديم لمزيد الاهتمام والمسارعة إلى تحقيق مدار الإنكار والاستبعاد ، والمحافظة على الفواصل ، وترك المفعول لظهوره ، أو لتوجيه الإنكار إلى نفس الفعل ، بتنزيله منزلة اللازم ، إيذانا بأنه المدار في الاستبعاد ، لا خصوصية المفعول. هذا هو الحقيق بجزالة التنزيل ـ أفاده أبو السعود ـ.
ثم ناقش ما وقع للمفسرين هنا مما يخالفه. فانظره.
وأصل (العدل) مساواة الشيء بالشيء. والمعنى : أنهم يجعلون له عديلا من خلقه ، مما لا يقدر على شيء ، فيعبدون الحجارة ، مع إقرارهم بأن الله خلق السموات والأرض.
وقال النضر بن شميل : (الباء) بمعنى (عن) أي : عن ربهم يعدلون وينحرفون ، من العدول عن الشيء.
لطيفة :
قال ابن عطية رحمهالله : (ثم) دالة على قبح فعل الذين كفروا ، لأن المعنى أن خلقه السموات قد تقرر ، وآياته قد سطعت ، وإنعامه بذلك قد تبين ، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم. فهذا كما تقول : أعطيتك وأحسنت إليك ، ثم تشتمني؟ ولو وقع العطف في هذا ونحوه ب (الواو) لم يلزم التوبيخ كلزومه ب (ثم). انتهى. أي : ففيها الدلالة على التوبيخ والإنكار ، كالتعجيب أيضا.
قال أبو حيان : هذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أن (ثم) للتوبيخ. والزمخشري من أنها للاستبعاد ـ مفهوم من سياق الكلام ، لا من مدلول (ثم). انتهى.
وإنما لم تحمل (ثم) على التراخي ، مع استقامته ، لكون الاستبعاد أوفق بالمقام ، لأن التراخي الزمانيّ معلوم فيه ، فلا فائدة في ذكره.
القول في تأويل قوله تعالى :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) استئناف مسوق لبيان بطلان كفرهم بالبعث ، مع