(وَنُقَلِّبُهُمْ) أي في رقدتهم (ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) أي لئلا تتلف الأرض أجسادهم (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي بفناء الكهف أو الباب. وقد شملت بركتهم كلبهم. فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال ، قال ابن كثير : وهذا فائدة صحبة الأخيار. فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن. وقد قيل إنه كان كلب صيد لهم ، وهو الأشبه. واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها. بل هي مما نهي عنه. فإن مستندها رجم بالغيب. ووجود الكلب على هذه الحالة من العناية بهم. فكما حفظهم بالتقليب عن إهلاك الأرض ، حفظهم عن الأعداء بكلب ، مع غاية قوتك في مكافحة الحروب (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) أي خوفا يملأ صدرك ، لما ألبسوا من الهيبة. فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم وخافهم. وذلك كما قال ابن كثير. لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس ، حتى يبلغ الكتاب أجله وتنقضي رقدتهم التي شاءها تبارك وتعالى فيهم. لما له في ذلك من الحكمة والحجة البالغة والرحمة الواسعة. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) (١٩)
(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي وكما أنمناهم تلك النومة ، بعثناهم صحيحة أبدانهم وأشعارهم وأبشارهم ، لم يفقدوا من هيئاتهم وأحوالهم شيئا ، ادّكارا بقدرته على الإنامة والبعث جميعا. قال ابن كثير : وذلك بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين. وقوله تعالى (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) أي ليسأل بعضهم بعضا ويعرفوا حالهم وما صنع الله بهم ، فيعتبروا ، ويستدلوا على عظم قدرة الله تعالى ، ويزدادوا يقينا ، ويشكروا ما أنعم الله به عليهم وكرّموا به. أفاده الزمخشري.
وبه يتبيّن أن البعث علة للتساؤل. ومن جعل اللام للعاقبة ، لحظ أن الغرض من فعله تعالى إظهار كمال قدرته (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) أي رقدتم. اعترافا بجهل