نفسه أو طلبا للعلم من غيره ، وإن لم يظهر كونه على اليقين (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قال ابن كثير : كأنه كان دخولهم إلى الكهف في أول نهار ، واستيقاظهم كان في آخر نهار. ولهذا قالوا : أو بعض يوم. وقال المهايميّ : فمن نظر إلى أنهم دخلوا غدوة وانتبهوا عشية ، ظن أنهم لبثوا يوما ، ومن نظر إلى أنه قد بقيت من النهار بقية ، ظن أنهم لبثوا بعض يوم. فهم مع ما أعطوا من الكرامات يتكلمون بالظن. فالوليّ يجوز أن يتكلم بالظن فيما ليس من الأصول ، ويجوز أن يخطئ. وقال الزمخشري : جواب مبنيّ على غالب الظن. وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب. وأنه لا يكون كذبا. وإن جاز أن يكون خطأ.
(قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) إنكار عليهم من بعضهم ، وأن الله أعلم بمدة لبثهم. كأن هؤلاء قد علموا بالأدلة ، أو بإلهام من الله ، أن المدة متطاولة ، وأن مقدارها مبهم. فأحالوا تعيينها على ربهم. (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) أي المأخوذة للتزود. و (الورق) الفضة (إِلَى الْمَدِينَةِ) أي التي فررتم عنها (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أي أطيب. (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) أي في المبايعة واختيار الطعام. أو في أمره بالتخفي ، حتى لا يشعر بحالكم ودينكم (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً).
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) (٢٠)
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) يطلعوا على مكانكم (يَرْجُمُوكُمْ) أي يقتلوكم بالحجارة (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أي يدخلوكم فيها بالإكراه العنيف (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) أي إذا صرتم إلى ملتهم. قال القاشانيّ : ظهور العوامّ ، واستيلاء المقلدة والحشوية المحجوبين ، وأهل الباطل المطبوعين ، ورجمهم أهل الحق ، ودعوتهم إياهم إلى ملتهم ـ ظاهر. كما كان في أوائل البعثة النبوية.
لطائف :
الأولى ـ قال الزمخشري : فإن قلت : كيف وصلوا قولهم (فابعثوا) بتذاكر حديث المدة؟ قلت : كأنهم قالوا ربكم أعلم بذلك. لا طريق لكم في علمه. فخذوا في شيء آخر مما يهمكم. انتهى.
ورأى المهايمي أن قولهم (فَابْعَثُوا) من تتمة حديث المدة. قصد به