استعيرت (القبضة) للملك أو التصرف و (اليمين) للقدرة ، وذاهب إلى أنه في المركب ، بتمثيل حال عظمته ونفاذ قدرته ، بحال من يكون له قبضة فيها الأرض ، ويمين بها تطوى السموات ، وهذا ما عول عليه الزمخشري وبسطه أحسن بسط.
ثم أشار إلى أن من عظيم قدرته تعالى ، أنه جعل النفخ في الصور سبب موت الكل تارة ، وحياتهم أخرى ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٦٨)
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ) أي هلك (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي من خواص الملائكة ، أو من الشهداء. روي ذلك عن بعض التابعين. وقال قتادة : قد استثنى الله ، والله أعلم ، إلى ما صار ثنيته. وهذا هو الوجه. إذ لا يصار إلى بيان المبهمات إلا بقاطع (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) أي وقوف ، يقلبون أبصارهم دهشا وحيرة. أو ينتظرون ما يحل بهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٩)
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) أي لأنه يتجلى لهم سبحانه لإقامة العدل والجزاء (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي عرض كتب الأعمال على أهلها ليقرأ كل واحد عمله في صحيفته. أو (الْكِتابُ) مجاز عن الحساب وما يترتب عليه من الجزاء ، ووضعه ترشيح له. والمراد بوضعه الشروع فيه ، أو هو تمثيل. وجوه نقلها الشهاب (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) أي الذين يشهدون للأمم وعليهم ، من الحفظة والأخيار المطلعين على أحوالهم. أي أحضروا للشهادة لهم أو عليهم لاطّلاعهم على أحوالهم. وجوّز إرادة المستشهدين في سبيل الله تعالى ، تنويها بشأنهم ، وترفيعا لقدرهم ، بضمهم إلى النبيين في الموقف. ولا يبعد (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي فتوزن أعمالهم بميزان العدل ، ويوفّون جزاء أعمالهم ، لا ينقص منها شيء ، كما قال :