الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي انتظر لمجازاتهم ذلك اليوم الهائل. ولا يستعمل (الارتقاب) إلا في أمر مكروه. وللسلف في معنى الدخان ثلاثة أوجه : الأول ـ قال بعضهم : كان ذلك حين دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قريش أن يؤخذوا بسنين كسني يوسف ، فأخذوا بالمجاعة. قالوا : وعنى بالدخان ما كان يصيبهم حينئذ في أبصارهم من شدة الجوع. من الظلمة كهيئة الدخان ، روى ابن جرير عن مسروق قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا. فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن : إن قاصا عند أبواب كندة يقصّ ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام ، فقام عبد الله وجلس وهو غضبان ، فقال : يا أيها الناس! اتقوا الله. فمن علم شيئا فليقل بما يعلم. ومن لا يعلم فليقل (الله أعلم). فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم (الله أعلم) وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم (لا أعلم) فإن الله عزوجل يقول لنبيّه صلىاللهعليهوسلم (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] ، إن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما رأى من الناس إدبارا قال : اللهم سبعا كسبع يوسف. فأخذتهم سنة حصّت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف. ينظر أحدهم إلى السماء فيرى دخانا ، من الجوع. فأتاه أبو سفيان بن حرب فقال : يا محمد! إنك جئت تأمرنا بالطاعة وبصلة الرحم. وإن قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم. قال الله عزوجل (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، إلى قوله : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) [الدخان : ١٥] ، قال : فكشف عنهم (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٦] ، فالبطشة يوم بدر. وقد مضت آية الروم وآية الدخان. والبطشة واللزام.
قال ابن كثير : وهذا الحديث مخرج في الصحيحين (١) ورواه الإمام أحمد (٢) في مسنده وهو عند الترمذي (٣) والنسائي في تفسيرهما ، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة وقد وافق ابن مسعود رضي الله على تفسير الآية بهذا ، وأن الدخان مضى ، جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وو إبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي ، وهو اختيار ابن جرير.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٤٤ ـ سورة الدخان ، ٢ ـ باب (يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) ، حديث رقم ٥٧٠ ، عن عبد الله بن مسعود وأخرجه مسلم في : صفات المنافقين وأحكامهم ، حديث رقم ٣٩.
(٢) أخرجه في المسند ١ / ٣٨٠. الحديث رقم ٣٦١٣.
(٣) أخرجه في : التفسير ، ٤٤ ـ سورة الدخان ، ١ ـ باب حدثنا محمود بن غيلان.