(وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي في آيات الله وحججه وأدلته ، فيعتبرون بها ويتفكرون. قال المهايميّ : منها أن ربط بعض العالم بالبعض دليل توحيده. وجعل البعض سبب البعض ، دليل حكمته ، وجعل الكل مسخرا للإنسان ، دليل كمال جوده. فمن أنكر هذه الآيات ولم يشكر هذه النعم ، استوجب أعظم وجوه الانتقام.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤)
(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا بالله واتبعوك (يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) أي لا يخافون بأس الله ونقمه ووقائعه بأعدائه (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي من علمهم. ومنه العفو والتجاوز عن بعض ما يؤذي ويوحش. وقد روي أنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد شتمه رجل من غفار ، فهمّ أن يبطش به ، فتكون الآية مدنية. قيل : يؤيده ما أورد على كونها مكية. من أن من أسلم بها كانوا مقهورين فلا يمكنهم الانتصار منهم. والعاجز لا يؤمر بالعفو والصفح. وأجيب بأن المراد أنه يفعل ذلك بينه وبين الله بقلبه ، ليثاب عليه. مع أن دوام عجز كل أحد منهم غير معلوم. فالصواب أن الآية مكية كالسورة. ومعنى نزولها في عمر ـ إن صح ـ صدقها على قضيته ، والاستشهاد بها لسماحه. كما حققنا المراد من النزول ، غير ما مرة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١٥)
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) أي لكونه افتكّها من العذاب (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي أساء عمله بمعصية ربه ، فعلى نفسه جنى ، لأنه أوبقها بذلك (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي تصيرون. فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٦)
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) أي التوراة (وَالْحُكْمَ) أي الفهم بالكتاب