ولابدّ من بيان بطلان تلك المزاعم والأوهام جميعاً ، ليتبيّن للقراء الكرام :
أولاً : قوله : «سمع الحديث من العامة ولقي وجوههم».
نقول :
هذا مقطعٌ من عبارة الشيخ النجاشي ، وتمامه : «كان سمعَ من حديث العامّة شيئاً كثيراً ، وسافرَ في طلب الحديث ولقيَ من وجوههم الحسنَ بنَ عرفة ، ومحمّـد بن عبدالملك الدقيقيّ ، وأبا حاتم الرازيّ ، وعبّاس الترقفيّ».
إنّ كلام الشيخ النجاشي هذا ـ بَعدَ وَصفِه سعداً «بشيخ الطائفة وفقيهها ووجهها» ـ لابدّ أن يكون بصدد تعظيم سعد ومدحه ، والتأكيد على سعة علمه ، وسعيه في التزوّد من المعرفة بالرحلة في طلب الحديث ، ولابدّ أن يكون لغرض علميّ هامّ ، فروايته عن وجوه العامّة ـ وهم من كبار المحدّثين في بغداد وسامراء كما يظهر من تراجمهم ـ تدلّ على طُموح مبكّر ، وجهد متميّز من ابن مدينة قُمٍّ ، معدن التشيّع ، وبما يتميّز به من تشدّد من محدّثيه في رفض الغُلوّ وسائر الانتماءات غير الحقّة.
فقيام سعد من مثل هذه البيئة بعمل نادر وهو الرحلة إلى مراكز العامّة ، وأخذ الحديث (الكثير) من وجوه أعلامهم ، لهو محاولةٌ جريئةٌ ونادرةٌ لم تُعرف من محدّثي قُمّ.
وقد جرى عليها الشيخُ الصدوقُ ـ وهو منْ هو في مقامه وشخصيته ـ حيثُ روى عن العامّة ونشر حديثهم في كتبه ، واعتمد الصدوق على كتاب الرحمة لسعد ـ الذي سيأتي الحديث عنه وعن منهجه فيه ـ فجعله في