ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ. وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ ..).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن فرعون وقومه بعد أن غرقوا ، لم يحزن لهلاكهم أحد ، فقال : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ).
أى : أن هؤلاء المغرقين ، الذين كانوا ملء السمع والبصر ، وكانوا يذلون غيرهم ، وكانوا يملكون الجنات والعيون ... هؤلاء الطغاة ، لم يحزن لهلاكهم أحد من أهل السموات أو أهل الأرض ، ولم يؤخر عذابهم لوقت آخر في الدنيا أو في الآخرة ، بل نزل بهم الغرق والدمار بدون تأخير أو تسويف ..
فالمقصود من الآية الكريمة بيان هوان منزلة هؤلاء المغرقين ، وتفاهة شأنهم ، وعدم أسف أحد على غرقهم ، لأنهم كانوا ممقوتين من كل عاقل ..
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : كان العرب إذا مات فيهم رجل خطير قالوا في تعظيم مهلكه : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس ..
قال جرير في رثاء عمر بن العزيز :
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا |
|
يا خير من حج بيت الله واعتمرا |
حملت أمرا عظيما فاصطبرت له |
|
وقمت فيه بأمر الله يا عمرا |
الشمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكى عليك نجوم الليل والقمرا |
وقالت ليلى بنت طريف الخارجية ، ترثى أخاها الوليد :
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنك لم تجزع على ابن طريف |
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل ، مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه ..
وفي الآية تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده ، فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض. يعنى فما بكى عليهم أهل السماء والأرض ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين .. (١).
وقال الإمام أبن كثير : قوله : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ ..) أى : لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكى على فقدهم ، ولا لهم بقاع في أرض عبدوا الله فيها ففقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا ..
ثم ساق ـ رحمهالله ـ جملة من الأحاديث منها ما أخرجه ابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود غريبا ، ألا
__________________
(١) تفسير الكشاف وحاشيته ج ٤ ص ٢٧٦.