لا غربة على مؤمن. ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه. إلا بكت عليه السماء والأرض. ثم قرأ صلىاللهعليهوسلم هذه الآية. ثم قال : إنهما لا يبكيان على كافر (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من نعمه على بنى إسرائيل فقال : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ).
أى : والله لقد نجينا ـ بفضلنا ورحمتنا ـ بنى إسرائيل من العذاب المهين ، الذي كان ينزله بهم أعداؤهم ، كقتلهم للذكور ، واستبقائهم للإناث ..
وقوله : (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب على حذف المضاف ، والتقدير : من عذاب فرعون .. أو على المبالغة كأن فرعون نفس العذاب ، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال فرعون فقال : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أى : نجيناهم من فرعون الذي كان متكبرا متجبرا ، ومن المسرفين في فعل الشرور ، وفي ارتكاب القبائح ..
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا آخر من إكرامه لبنى إسرائيل فقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
والاختيار : الاصطفاء على سبيل التشريف والتكريم ، أى : ولقد اصطفينا بنى إسرائيل على عالمي زمانهم ، ونحن عالمون بذلك علما اقتضته حكمتنا ورحمتنا.
فقوله (عَلى عِلْمٍ) في موضع الحال من الفاعل ، والمراد بالعالمين : أهل زمانهم المعاصرين لهم ، بدليل قوله ـ تعالى ـ في الأمة الإسلامية : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ..).
وهذا الاصطفاء والاختيار ، إنما مرده إلى من يعمل منهم عملا صالحا ، أما الذين لم يعملوا ذلك فلا مزية لهم ولا فضل ، ولذا نجد كثيرا من الآيات تذم من يستحق الذم منهم.
ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض المعجزات التي جاءتهم على أيدى رسلهم فقال : (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ).
أى : وأعطيناهم من المعجزات الدالة على صدق رسلهم كموسى وعيسى وغيرهما ، ما فيه بلاء مبين.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٣٩.
(٢) سورة المائدة الآية ٧٨. ٧٩.