صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) (٥٠)
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ) يعود إلى مشركي مكة ، الذين سبق الحديث عنهم في قوله ـ تعالى ـ : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) إلخ.
وذكر ـ سبحانه ـ قصة فرعون وقومه في الوسط ، للإشارة إلى التشابه بين الفريقين في التكذيب للحق ، وفي الإصرار على الضلال.
وكانت الإشارة للقريب ، لتحقيرهم والتهوين من شأنهم.
و (إِنْ) في قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى ...) نافية. أى : إن هؤلاء الكافرين ليقولون على سبيل الجزم والتكذيب للبعث : ما الموتة التي نموتها في نهاية حياتنا الدنيوية ، إلا الموتة النهائية لا حياة بعدها ولا بعث ولا نشور.
ومرادهم من الأولى : السابقة المتقدمة على الموعد الذي يوعدونه للبعث والنشور.
قال بعض العلماء : وذلك أنهم لما وعدوا بعد الحياة الدنيا حالتين أخريين.
الأولى منهما الموت ، والأخرى حياة البعث ، أثبتوا الحالة الأولى وهي الموت ، ونفوا ما بعدها.
وسموها أولى مع أنهم اعتقدوا أنه لا شيء بعدها ، لأنهم نزلوا جحدهم على الإثبات فجعلوها أولى على ما ذكرت لهم .. (١).
وقوله : (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) تأكيد لما سبقه. أى : قالوا ليس هنا من موت سوى الموت المزيل لحياتنا ، ثم لا بعث ولا حساب ولا نشور بعد ذلك.
يقال : أنشر الله ـ تعالى ـ الموتى نشورا ، إذا أحياهم بعد موتهم ، فهم منشرون.
ثم بين ـ سبحانه ـ مطالبهم المتعنتة ، وأدلتهم الباطلة فقال : (فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
والفاء للإفصاح ، والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين الذين كانوا يؤمنون بالبعث.
أى : إن هؤلاء الكافرين قالوا ـ أيضا ـ للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين : إن كان الأمر
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف وحاشيته ج ٤ ص ٣٧٩.