كما تقولون من أن هناك بعثا وحسابا .. فأعيدوا الحياة إلى آبائنا الأولين ، واجعلوهم يخرجون إلينا مرة لنراهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ...) تهديد لهم على جهالاتهم وإصرارهم على كفرهم.
والمراد بتبع : أبو كريب أسعد بن مليك ، ويسمى بتبع الحميرى. وهو أحد ملوك حمير.
وكان مؤمنا ، وقومه كانوا كافرين فأهلكهم الله. وإليه ينسب الأنصار ، ولفظ (تُبَّعٍ) يعد لقبا لكل ملك من ملوك اليمن ، كما أن لقب فرعون يعد لقبا لمن ملك مصر كافرا .. (١).
أى : إن هؤلاء الكافرين المعاصرين لك ـ أيها الرسول الكريم ـ ليسوا خيرا من قوم تبع ، الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا ، فلما لجوا في طغيانهم أهلكهم الله ـ تعالى ـ وإن مصير هؤلاء المشركين ـ إذا ما استمروا في عنادهم ـ سيكون كمصير قوم تبع ..
فالمقصود من الآية الكريمة تحذير الكافرين من التمادي في الضلال ، لأن هذا التمادي سيؤدي بهم الى الخسران ، كما هو حال قوم تبع الذين لا يخفى أمرهم عليهم.
والمراد بمن قبلهم في قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) : الأقوام السابقون على قوم تبع ، كقوم عاد وثمود وغيرهم. أو على هؤلاء الكافرين المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم.
أى : والذين من قبل قوم تبع أو من قبل قومك من الظالمين ، أهلكناهم لأنهم كانوا قوما مجرمين.
ثم لفت ـ سبحانه ـ أنظار الناس إلى التفكر في خلق السموات والأرض فقال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما ..) من مخلوقات لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ ما خلقنا ذلك (لاعِبِينَ) أى : عابثين أو لغير غرض صحيح.
وقوله ـ تعالى ـ : (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال.
أى : ما خلقناهما إلا خلقا ملتبسا بالحق مؤيدا بالحكمة ..
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ، لانطماس بصائرهم ، واستحواذ الشيطان عليهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، وسيحكم ـ سبحانه ـ في هذا اليوم بين الناس بحكمه العادل فقال : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) وهو يوم القيامة الذي يفصل فيه الله
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٤٢.