الوجوه ، لا من كلها ، ولا من جهة المرتبة والثواب فلا ينافي ذلك تفضيل أمة محمد صلىاللهعليهوسلم عليهم من وجه آخر ، ومن جهة المرتبة والثواب (١).
والثاني : أن المقصود بها : فضلناهم على عالمي زمانهم.
قال الإمام الرازي ، ما ملخصه : فإن قيل إن تفضيلهم على العالمين ، يقتضى تفضيلهم على أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وهذا باطل ، فكيف الجواب؟
قلنا : الجواب من وجوه أقربها إلى الصواب أن المراد : فضلتكم على عالمي زمانكم ، وذلك لأن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك وهو الآن ليس بموجود ، لم يكن من جملة العالمين حال عدمه ، وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم لم تكن موجودة في ذلك الوقت ، فلا يلزم من كون بنى إسرائيل أفضل العالمين في ذلك الوقت ، أنهم أفضل من الأمة الإسلامية. (٢).
وقال الشيخ الشنقيطى ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ).
ذكر ـ سبحانه ـ في هذه الآية أنه فضل بنى إسرائيل على العالمين ، كما ذكر ذلك في آيات أخرى .. ولكن الله ـ تعالى ـ بين أن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم خير من بنى إسرائيل ، وأكرم على الله ، كما صرح بذلك في قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
فخير صيغة تفضيل ، والآية نص صريح في أنهم خير من جميع الأمم ، بنى إسرائيل وغيرهم.
ويؤيد ذلك من حديث معاوية بن حيدة القشيري ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في أمته : أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله ، وقد رواه عنه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وهو حديث مشهور.
واعلم أن ما ذكرنا من كون الأمة الإسلامية أفضل من بنى إسرائيل وغيرهم ، لا يعارض ما ورد من آيات في تفضيل بنى إسرائيل.
لأن ذلك التفضيل الوارد في بنى إسرائيل ، ذكر فيهم حال عدم وجود أمة محمد صلىاللهعليهوسلم والمعدوم في حال عدمه ليس بشيء حتى يفضل على غيره ، أو يفضل غيره عليه.
ولكنه ـ تعالى ـ بعد وجود الأمة الإسلامية صرح بأنها خير الأمم ، فثبت أن كل ما جاء في القرآن من تفضيل بنى إسرائيل ، إنما يراد به ذكر أحوال سابقة (٣).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١٤٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٣٥٥.
(٣) راجع تفسير أضواء البيان ج ٧ ص ٢٥١.