أى هذا القرآن الذي أنزلناه إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ (بَصائِرُ لِلنَّاسِ) لأن ما فيه من حجج وبراهين ، تكشف للقلب طريق الحق ، كما تكشف العين للإنسان مساره وهو ـ أيضا ـ (هُدىً) أى : هداية عظيمة إلى الرشاد والسعادة (وَرَحْمَةٌ) واسعة (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أى : لقوم من شأنهم الإيقان بأنه من عند الله ـ تعالى ـ ، وبأنك ـ أيها الرسول الكريم ـ صادق فيما تبلغه عن ربك.
وخص الموقنين بالذكر ، لأنهم هم الذين ينتفعون بحجج القرآن الكريم ، وبهداياته ، أما الذين في قلوبهم مرض أوشك ، فإنهم لا ينتفعون بذلك.
قال ـ تعالى ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ .. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٢).
ثم فرقت السورة الكريمة بين حال الذين يجترحون السيئات ، وحال الذين يعملون الصالحات ، وحكت جانبا من أقوال المشركين ، وردت عليهم بما يبطلها ، فقال ـ تعالى ـ :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا
__________________
(١) سورة التوبة الآية ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٢) سورة فصلت الآية ٤٤.