وقوله (كُلَّ أُمَّةٍ) مبتدأ ، وقوله (تُدْعى إِلى كِتابِهَا) خبره. أى : كل أمة تدعى إلى سجل أعمالها الذي أمر الله ـ تعالى ـ ملائكته بكتابته لتحاسب عليه.
وقوله : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) مقول لقول مقدر. أى : ويقال لهم جميعا في هذا الوقت : اليوم تجدون جزاء أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا من خير أو شر. ويقال لهم ـ أيضا ـ : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ).
أى : هذا كتابنا الذي سجلته عليكم الملائكة ، يشهد عليكم بالحق ، لأنه لا زيادة فيما كتب عليكم ولا نقصان ، وإنما هي أعمالكم أحصيناها عليكم.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (هذا كِتابُنا) قيل من قول الله لهم. وقيل من قول الملائكة.
(يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) أى : يشهد. وهو استعارة ، يقال : نطق الكتاب بكذا ، أى : بين. وقيل : إنهم يقرءونه فيذكرهم الكتاب ما عملوا ، فكأنه ينطق عليهم.
دليله قوله ـ تعالى ـ : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
وقوله : (يَنْطِقُ) في موضع الحال من الكتاب» (١).
وقال الجمل في حاشيته : فإن قيل : كيف أضيف الكتاب إليهم في قوله : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا).
وأضيف هنا إلى الله ـ تعالى ـ فقال : (هذا كِتابُنا)؟
فالجواب أنه لا منافاة بين الأمرين ، لأنه كتابهم بمعنى أنه مشتمل على أعمالهم ، وكتاب الله ، بمعنى أنه ـ سبحانه ـ هو الذي أمر الملائكة بكتابته (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تعليل للنطق بالحق ، أى : إنا كنا نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالكم ، أى : بكتابتها وتثبيتها عليكم في الصحف ، حسنة كانت أو سيئة ، فالمراد بالنسخ هنا : الإثبات لا الإزالة.
ثم فصل ـ سبحانه ـ ما يترتب على ما سبق من أحكام فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) أى : فيدخلهم ـ سبحانه ـ في جنته ورضوانه.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ١٧٤.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٢٠.