لأنه متفق عليه عند أهل الكتابين ، ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن ، وكان عيسى مأمورا بالعمل بمعظم ما فيه أو بكله.
وقال عطاء : لأنهم كانوا على اليهودية ، وهذا القول يحتاج إلى نقل صحيح.
وعن ابن عباس : أن الجن لم تكن سمعت بعيسى ، فلذا قالوا ذلك. وفي هذا القول بعد ، فإن اشتهار أمر عيسى ، وانتشار أمر دينه ، أظهر من أن يخفى ، لا سيما على الجن ، ومن هنا قال أبو حيان : إن هذا لا يصح عن ابن عباس (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يدل على إيمانهم بما سمعوه فقال : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ ...).
أى : وقالوا لقومهم ـ أيضا ـ : يا قومنا أجيبوا داعي الله الذي دعاكم الى الحق وإلى طريق مستقيم. (وَآمِنُوا بِهِ) أى : وآمنوا بهذا الرسول الكريم وبما جاء من عند ربه.
(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أى : أجيبوا داعي الله وآمنوا به ، يغفر لكم ربكم من ذنوبكم التي وقعتم فيها ، ويبعدكم بفضله ورحمته من عذاب أليم.
والتعبير بقوله : (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) يدل على حسن أدبهم ، وعلى أنهم يفوضون المغفرة إلى ربهم ، فهو ـ سبحانه ـ إن شاء غفرها جميعا ، وإن شاء غفر بعضها.
ثم ختموا الترغيب في الإيمان بالترهيب من الإصرار على الكفر والمعاصي فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ).
أى : قالوا لقومهم إنكم إذا أجبتم داعي الله ، غفر لكم ـ سبحانه ـ ذنوبكم أما الذي يعرض عن هذا الداعي الصادق الأمين ، فإنه لن يستطيع أن يفلت من عذاب الله ، ولن يقدر على الهرب من عقابه ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
(وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) أى : وليس لهذا المعرض من أنصار يستطيعون دفع عذاب الله عنه.
(أُولئِكَ) أى : الذين لم يجيبوا داعي الله (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أى : في ضلال واضح لا يخفى على أحد من العقلاء.
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٣٢.