١ ـ أن رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم كانت إلى الإنس والجن ، لأن هذه الآيات تحكى إيمان بعض الجن به صلّى الله عليه وسلّم ودعوتهم غيرهم إلى الإيمان به.
٢ ـ أن هذه الآيات تدل على أن حكم الجن كحكم الإنس في الثواب والعقاب وفي وجوب العمل بما أمرهم الله ـ تعالى ـ به وفي وجوب الانتهاء عما نهاهم عنه ، لأن قوله ـ تعالى ـ : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
أقول : هاتان الآيتان اللتان حكاهما الله ـ تعالى ـ على ألسنة بعض الجن تدلان على ثواب المطيع ، وعذاب العاصي.
قال بعض العلماء ما ملخصه : وقد دلت آية أخرى على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة وهي : قوله ـ تعالى ـ في سورة الرحمن : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
ويستأنس لهذا ـ أيضا ـ بقوله ـ تعالى ـ : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) فإنه يشير إلى أن في الجنة جنا يطمثون النساء كالإنس ..
وبهذا يعلم أن ما ذهب إليه بعض العلماء ، أنه يفهم من قوله ـ تعالى ـ : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أن المؤمنين من الجن لا يدخلون الجنة ، وأن جزاء إيمانهم ، وإجابتهم داعي الله ، هو الغفران وإجارتهم من العذاب الأليم فقط .. هذا الفهم إنما هو خلاف التحقيق ، وأن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة .. (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ، بتوبيخ المشركين على جهلهم وعدم تفكيرهم ، وبيّن ما سيكونون عليه من خزي يوم القيامة ، وأمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بالصبر على أذاهم. فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ
__________________
(١) راجع تفسير أضواء البيان ج ٧ ص ٤٠١.