وقوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ..) معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين حال الفريقين ، مقابلة تتجلى فيها رعايته ـ سبحانه ـ للمؤمنين ، وغضبه على الكافرين. أى : هذا هو حال الكافرين ، رسخت الجهالات في قلوبهم حتى صرفتهم عن سبيل الرشد ، أما حال المؤمنين فإنهم قابلوا تصرفات هؤلاء الكافرين بالاحتقار والازدراء ومبايعة رسولهم صلىاللهعليهوسلم على الموت إذا لزم الأمر ذلك.
فأنزل الله ـ تعالى ـ طمأنينته وسكينته على قلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى قلوب أصحابه ، حيث لم يجعلهم يقابلون سفاهات المشركين بسفاهات مثلها ...
(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) أى : وجعلهم ملتزمين بما تقتضيه كلمة التقوى ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، من أناة وسكون وثبات ووقار وخلق كريم وإخلاص في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله.
(وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) أى : وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من الكفار ، وكانوا أهلا لها دون الكفار ، لأن المؤمنين استجابوا للحق. أما الكافرون فقد أنفوا منه ، وتطاولوا عليه ، بمقتضى حميتهم الجاهلية ... (وَكانَ) ـ سبحانه ـ وما زال (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) لا يخفى عليه أمر ، ولا يغيب عن علمه شيء ، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى ألوانا من المقابلات التي تدل على مدح الله ـ تعالى ـ للمؤمنين ، وعلى احتقاره للكافرين.
فقد عبر ـ سبحانه ـ في جانب الكافرين بكلمة جعل التي تشعر بأن الكافرين كأنهم قد ألقوا هذه الحمية الجاهلية في قلوبهم إلقاء بدون تعقل أو تدبر ، بينما عبر في جانب المؤمنين بكلمة أنزل التي تشعر كأن السكينة كانت في خزائنه ـ تعالى ـ ثم أنزلها بعد ذلك على قلب رسوله صلىاللهعليهوسلم وعلى قلوب المؤمنين ، ليزدادوا إيمانا على إيمانهم ..
ونرى الفاعل لجعل هو الذين كفروا ، بينما الفاعل لأنزل هو الله ـ عزوجل ـ.
ونرى المفعول لجعل هو الحمية ، وهي كلمة مشتعلة منفرة ، وقد كررها ـ سبحانه ـ ليزداد العقلاء نفورا منها .. ونرى المفعول لأنزل هو السكينة وهي كلمة فيها ما فيها من الوقار والسكون والثبات والطمأنينة.
ونرى الحمية قد أضيفت إلى الجاهلية ، بينما السكينة أضيفت إلى الله ـ تعالى ـ.
ونرى أن الله ـ تعالى ـ قد أضاف كل ذلك مدحا عظيما لعباده المؤمنين حيث ألزمهم كلمة التقوى ، وجعلهم أحق بها وأهلا لها دون أعدائهم الذين آثروا الغي على الرشد ، والباطل على الحق ... وفي ذلك ما فيه من الثناء على المؤمنين والتحقير للكافرين.