ثم أكد الله ـ تعالى ـ صدق ما شاهده النبي صلىاللهعليهوسلم في رؤياه ، وبين الحكمة التي من أجلها أرسله إلى الناس كافة فقال ـ تعالى ـ :
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨)
قال الآلوسى ما ملخصه : «رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية ، أنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين ، وقد حلقوا وقصروا ، فقص الرؤيا على أصحابه ، ففرحوا واستبشروا ، وظنوا أنهم سيدخلونها في عامهم هذا ، وقالوا : إن رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حق ، فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين ـ على سبيل التشكيك والاعتراض ـ والله ما حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فنزلت هذه الآية.
وقد روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال نحو ذلك ـ على سبيل الفهم والاستكشاف ـ ليزداد يقينه ...
والصدق يكون بالقول ويكون بالفعل ، وما في الآية صدق بالفعل ، وهو التحقيق ، أى حقق ـ سبحانه ـ للرسول رؤيته ..» (١).
وقوله (بِالْحَقِ) صفة لمصدر محذوف ، أى : صدقا ملتبسا بالحق ، أو بمحذوف على أنه حال من الرؤيا ، أى : رؤيا ملتبسة بالحق.
والمعنى : والله لقد أرينا رسولنا محمدا صلىاللهعليهوسلم الرؤيا الصادقة التي لا تتخلف ، ولا يحوم حولها ريب أو شك ، وحققنا له ما اشتملت عليه هذه الرؤيا من بشارات سارة ، وعطايا كريمة ، على حسب ما اقتضته حكمتنا وإرادتنا.
وقوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٢٠.