لا تَخافُونَ ..) جواب لقسم محذوف ، وقوله : (آمِنِينَ) وما بعده ، حال من فاعل (لَتَدْخُلُنَ) .. أى : والله لتدخلن ـ أيها المؤمنون ـ المسجد الحرام في عامكم المقبل إن شاء الله ، حالة كونكم آمنين من كل فزع ، وحالة كونكم بعضكم يحلق شعر رأسه كله ، وبعضكم يكتفى بقص جزء منه ، وحالة كونكم لا تخافون أذى المشركين بعد ذلك.
وقوله : (إِنْ شاءَ اللهُ) فيه ما فيه من الإشعار بأن الرؤيا مع صدقها ، تحقيقها موكول إلى مشيئة الله ـ تعالى ـ وإلى قدرته ، لا إلى أحد سواه ، وفيه ما فيه من تعليم الناس وإرشادهم إلى أنهم يجب عليهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه عند إرادتهم لفعل من الأفعال ، كما قال ـ تعالى ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ..).
قال بعض العلماء : «إن الله ـ تعالى ـ استثنى فيما يعلم ، ليستثني الخلق فيما لا يعلمون.
ويرى بعضهم : أن الاستثناء هنا لتحقيق الخبر وتأكيده.
واستدل بعضهم بهذه الآية على أن الحلق غير متعين في النسك ، بل يجزئ عنه التقصير ، إلا أن الحلق أفضل ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اللهم اغفر للمحلقين» قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ، قال اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ، قال اللهم اغفر للمحلقين .. ثم قال بعد الثالثة : والمقصرين».
واستدل بها ـ أيضا ـ على أن التقصير للرأس دون اللحية ، ودون سائر شعر البدن ، إذ الظاهر أن المراد : ومقصرين شعر رءوسكم» (١).
وقوله : (لا تَخافُونَ) تأكيد وتقرير لقوله (آمِنِينَ) أى : آمنين عند دخولكم مكة للعمرة ولا تخافون بعد إتمامها ، لأن عناية الله ـ تعالى ـ ورعايته معكم ...
وقوله : (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا ، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) بيان للحكمة في تأخير دخولهم مكة عام الحديبية ، وتمكينهم من دخولها في العام الذي يليه.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ ...) أى : والله لقد حقق الله ـ تعالى ـ لرسوله رؤياه في دخول مكة ، ولكن في الوقت الذي يشاؤه ويختاره وتقتضيه حكمته ، لأنه ـ تعالى ـ علم ما لم تعلموه أنتم من أن المصلحة في عدم دخولكم مكة في عام صلح الحديبية ، وأن هذا الصلح هو خير لكم من دخولها ، لما يترتب عليه من منافع كثيرة لكم ، وقد جعل ـ سبحانه ـ بفضله وإحسانه (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أى : من قبل دخولكم مكة ، وطوافكم بالمسجد الحرام (فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح خيبر الذي خرجتم منه بالغنائم الوفيرة ، أو فتح
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٢٢.