السابقة ـ لكنه لما كان في الآخرة أظهر وأتم خصه النبي صلىاللهعليهوسلم بالذكر ...» (١).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) يعود إلى جميع أوصافهم الجليلة السابقة. والمثل هو الصفة العجيبة والقصة ذات الشأن. أى : ذلك الذي ذكرناه عن هؤلاء المؤمنين الصادقين من صفات كريمة تجرى مجرى الأمثال ، صفتهم في التوراة التي أنزلها الله ـ تعالى ـ على نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ صفتهم في الإنجيل فقال : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ : كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ، فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ..).
وقوله : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) معطوف على ما قبله وهو مثلهم في التوراة ، والإنجيل : هو الكتاب الذي أنزله الله ـ تعالى ـ على نبيه عيسى ـ عليهالسلام ـ.
والشط : فروع الزرع ، وهو ما خرج منه وتفرع على شاطئيه. أى : جانبيه. وجمعه : أشطاء ، وشطوء ، يقال : شطأ الزرع وأشطأ ، إذا أخرج فروعه التي تتولد عن الأصل.
وقوله (فَآزَرَهُ) أى : فقوت تلك الفروع أصولها ، وآزرتها ، وجعلتها مكينة ثابتة في الأرض. وأصله من شد الإزار. تقول : أزّرت فلانا ، إذا شددت إزاره عليه. وتقول آزرت البناء ـ بالمد والقصر ـ إذا قويت أساسه وقواعده.
ومنه قوله ـ تعالى ـ حكاية عن موسى ـ عليهالسلام ـ : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي).
وقوله : (فَاسْتَغْلَظَ) أى : فصار الزرع غليظا بعد أن كان رقيقا.
وقوله : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أى : فاستقام وتكامل على سيقانه التي يعلو عليها.
وقوله : (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أى : يعجب الخبراء بالزراعة لقوته وحسن هيئته.
والمعنى : أن صفة المؤمنين في الإنجيل ، أنهم كالزرع ، يظهر في أول أمره رقيقا ضعيفا متفرقا ، ثم ينبت بعضه حول بعض ، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد ، وتعجب جودته أصحاب الزراعة ، العارفين بها.
فكذلك النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، كانوا في أول الأمر في قلة وضعف ، ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة ، حتى بلغوا ما بلغوا في ذلك.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٢٥.