البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله (١).
وقال الإمام القرطبي ما ملخصه : قوله : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أى : لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله ، وقول رسوله وفعله ، فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا ..
واختلف في سبب نزول هذه الآية على ستة أقوال منها :
ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال : حدثني ابن أبى مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بنى تميم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أمّر عليهم القعقاع بن معبد. وقال عمر : يا رسول الله ، أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي. وقال عمر ما أردت خلافك ، فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة : إن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل فيّ كذا ، فنزلت هذه الآية.
وقال الحسن : نزلت في قوم ذبحوا أضحيتهم قبل أن يصلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح (٢). وعلى أية حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والمقصود من الآية الكريمة نهى المؤمنين في كل زمان ومكان عن أن يقولوا قولا أو يفعلوا فعلا يتعلق بأمر شرعي ، دون أن يعودوا فيه إلى حكم الله ورسوله.
ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء ثانيا إلى المؤمنين ، أكد فيه وجوب احترامهم للرسول صلىاللهعليهوسلم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ).
قال الآلوسى : هذه الآية شروع في النهى عن التجاوز في كيفية القول عند النبي صلىاللهعليهوسلم بعد النهى عن التجاوز في نفس القول والفعل. وإعادة النداء مع قرب العهد به ، للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه ، والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه (٣).
أى : يا من آمنتم بالله واليوم الآخر .. واظبوا على توقيركم واحترامكم لرسولكم صلىاللهعليهوسلم ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوته عند مخاطبتكم له. ولا تجعلوا أصواتكم مساوية
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٥.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٠٠.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٣٤.