لصوته صلىاللهعليهوسلم حين الكلام معه ، ولا تنادوه باسمه مجردا بأن تقولوا له يا محمد ، ولكن قولوا له : يا رسول الله ، أو يا نبي الله.
والكاف في قوله : (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف أى : ولا تجهروا له بالقول جهرا مثل جهر بعضكم لبعض.
قال القرطبي : وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا ، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة ، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفته ، أعنى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم ، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة ، وجلالة مقدارها ، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) بيان لما يترتب على رفع الصوت عند مخاطبته صلىاللهعليهوسلم من خسران.
والجملة تعليل لما قبلها ، وهي في محل نصب على أنها مفعول لأجله. أى : نهاكم الله ـ تعالى ـ عن رفع أصواتكم فوق صوت النبي ، وعن أن تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، كراهة أو خشية أن يبطل ثواب أعمالكم بسبب ذلك ، وأنتم لا تشعرون بهذا البطلان.
قال ابن كثير : وقوله : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أى : إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده صلىاللهعليهوسلم خشية أن يغضب من ذلك ، فيغضب الله لغضبه ، فيحبط الله عمل من أغضبه وهو لا يدرى. وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره ، كما كان يكره في حياته ، لأنه محترم حيا وفي قبره (٢).
ولقد امتثل الصحابة لهذه الإرشادات امتثالا تاما ، فهذا أبو بكر يروى عنه أنه لما نزلت هذه الآية قال : يا رسول الله ، والله لا أكلمك إلا كأخى السرار ـ أى : كالذي يتكلم همسا. وهذا ثابت بن قيس ، كان رفيع الصوت ، فلما نزلت هذه الآية قال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا من أهل النار ، حبط عملي ، وجلس في أهل بيته حزبنا ... فلما بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم ما قاله ثابت ، قال لأصحابه : «لا. بل هو من أهل الجنة» (٣).
قال بعض العلماء : وما تضمنته هذه الآية من لزوم توقير النبي صلىاللهعليهوسلم جاء مبينا في
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٠٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٨.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٤٧ والقرطبي ج ١٦ ص ٣٠٤.