التي هي احتقار الغير بحضرته ، فالجملة الكريمة من باب عطف العام على الخاص.
يقال : لمز فلان فلانا ، إذا عابه وانتقصه ، وفعله من باب ضرب ونصر.
ومنهم من يرى أن اللمز ما كان سخرية ولكن على وجه الخفية ، وعليه يكون العطف من باب عطف الخاص على العام ، مبالغة في النهى عنه حتى لكأنه جنس آخر.
أى : ولا يعب بعضكم بعضا بأى وجه من وجوه العيب. سواء أكان ذلك في حضور الشخص أم في غير حضوره.
وقال ـ سبحانه ـ (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) مع أن اللامز يلمز غيره ، للإشارة إلى أن من عاب أخاه المسلم ، فكأنما عاب نفسه ، كما قال ـ تعالى : (... فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ، تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) (١).
وقوله : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أى : ولا يخاطب أحدكم غيره بالألفاظ التي يكرهها ، بأن يقول له يا أحمق ، أو يا أعرج ، أو يا منافق .. أو ما يشبه ذلك من الألقاب السيئة التي يكرهها الشخص.
فالتنابز : التعاير والتداعي بالألقاب المكروهة ، يقال : نبزه ينبزه ـ كضربه يضربه ـ إذا ناداه بلقب يكرهه ، سواء أكان هذا اللقب للشخص أم لأبيه أم لأمه أم لغيرهما.
وقوله ـ تعالى ـ : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) تعليل للنهى عن هذه الرذائل والمراد بالاسم : ما سبق ذكره من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ، والمخصوص بالذم محذوف. أى : بئس الفعل فعلكم أن تذكروا إخوانكم في العقيدة بما يكرهونه وبما يخرجهم عن صفات المؤمنين الصادقين ، بعد أن هداهم الله ـ تعالى ـ وهداكم إلى الإيمان.
وعلى هذا فالمراد من الآية نهى المؤمنين أن ينسبوا إخوانهم في الدين إلى الفسوق بعد اتصافهم بالإيمان.
قال صاحب الكشاف : الاسم هاهنا بمعنى الذّكر ، من قولهم : فلان طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم ، كما يقال : طار ثناؤه وصيته .. كأنه قيل : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين .. أن يذكروا بالفسق (٢).
ويصح أن يكون المراد من الآية الكريمة نهى المؤمنين عن ارتكابهم لهذه الرذائل ، لأن
__________________
(١) سورة النور الآية ٦١.
(٢) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٧٠.