وهو ـ أيضا ـ واسع الرحمة لعباده المؤمنين ، المستقيمين على أمره.
وبذلك نرى هذه الآية الكريمة قد نهت المسلمين عن رذائل ، يؤدى تركها إلى سعادتهم ونجاحهم ، وفتحت لهم باب التوبة لكي يقلع عنها من وقع فيها ..
وبعد هذه النداءات الخمسة للمؤمنين ، التي اشتملت على الآداب النفسية والاجتماعية ..
وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى الناس جميعا ، ذكرهم فيه بأصلهم وبميزان قبولهم عنده ، فقال ـ سبحانه ـ :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣)
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن الرسول صلىاللهعليهوسلم أمر بنى بياضة أن يزوجوا امرأة منهم لأبى هند ـ وكان حجاما للنبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، نزوج بناتنا ـ موالينا ـ أى : عبيدنا ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية (١).
والمراد بالذكر والأنثى : آدم وحواء. أى : خلقناكم جميعا من أب واحد ومن أم واحدة ، فأنتم جميعا تنتسبون إلى أصل واحد ، ويجمعكم وعاء واحد ، وما دام الأمر كذلك فلا وجه للتفاخر بالأحساب والأنساب.
قال الآلوسى : أى خلقناكم من آدم وحواء ، فالكل سواء في ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، كما قال الشاعر :
الناس في عالم التمثيل أكفاء |
|
أبوهم آدم والأم حواء |
وجوز أن يكون المراد هنا : إنا خلقنا كل واحد منكم من أب وأم ، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه ، والكلام مساق له .. (٢).
وقوله : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ....) بيان لما ترتب على خلقهم على تلك الصورة ، وللحكمة من ذلك.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٤٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٦١.