الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى ، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى أن البعث حق ، وأنه آت لا ريب فيه.
وبعد هذا العرض البديع لمظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في هذا الكون ، ولمظاهر نعمه على خلقه ، ساقت السورة الكريمة جانبا من أحوال المكذبين للرسل السابقين. تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من قومه ، فقال ـ تعالى ـ :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٥)
أى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لما أصابك من أذى من هؤلاء المشركين الجاحدين المكذبين فقد سبقهم إلى هذا التكذيب والكفر والجحود «قوم نوح» ـ عليهالسلام ـ ، فإنهم قد قالوا في حقه إنه مجنون ، كما حكى عنهم ذلك في قوله ـ تعالى ـ : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ، فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ). وقوله : (وَأَصْحابُ الرَّسِ) معطوف على ما قبله ، والرس في لغة العرب : البئر التي لم تبن بعد بالحجارة ، وقيل : هي البئر مطلقا.
وللمفسرين في حقيقة أصحاب الرس أقوال : فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود ، بعث الله إليهم واحدا من أنبيائه ، فكذبوه ورسوه في تلك البئر ، أى : ألقوا به فيها فأهلكهم ـ سبحانه ـ بسبب ذلك.
وقيل : هم الذين قتلوا حبيبا النجار عند ما جاء يدعوهم إلى الدين الحق ، وكانت تلك البئر بأنطاكية ، وبعد قتلهم له ألقوه فيها. وقيل : هم قوم شعيب ـ عليهالسلام ـ ..
واختار ابن جرير ـ رحمهالله ـ أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين جاء الحديث عنهم في سورة البروج.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٥.