قال ابن كثير : قوله : (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ ...) أى : كل من هذه الأمم ، وهؤلاء القرون كذب رسوله ، ومن كذب رسولا فكأنما كذب جميع الرسل.
(فَحَقَّ وَعِيدِ) أى : فحق عليهم ما أوعدهم الله ـ تعالى ـ على التكذيب من العذاب والنكال ، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم ، فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك (١).
وبعد هذا العرض لمصارع المكذبين ، عادت السورة إلى تقرير الحقيقة التي كفر بها الجاهلون والجاحدون ، وهي أن البعث حق ، فقال ـ تعالى ـ : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) والاستفهام للإنكار والنفي ، وقوله (فَعَيِينا) من العي بمعنى العجز. يقال : عيى فلان بهذا الشيء ، إذا عجز عنه ، وانقطعت حيلته فيه ، ولم يهتد إلى طريقة توصله إلى مقصوده منه.
واللبس : الخلط. يقال : لبس على فلان الأمر ـ من باب ضرب ـ إذا اشتبه واختلط عليه ، ولم يستطع التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ.
أى : أفعجزت قدرتنا عن خلق هؤلاء الكافرين وإيجادهم من العدم ، حتى يتوهموا أننا عاجزون عن إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم؟.
كلا إننا لم نعجز عن شيء من ذلك لأن قدرتنا لا يعجزها شيء ، ولكن هؤلاء الكافرين لانطماس بصائرهم ، واستيلاء الشيطان عليهم ، قد صاروا في لبس وخلط من أمرهم ، بدليل أنهم يقرون بأننا نحن الذين خلقناهم ولم يكونوا شيئا مذكورا ، ومع ذلك فهم ينكرون قدرتنا على الخلق الجديد أى : على إعادتهم إلى الحياة الدنيا مرة أخرى بعد موتهم.
فقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أى : بل إن هؤلاء الكافرين في خلط وشك وحيرة من أن يكون هناك خلق جديد أى خلق مستأنف لهم بعد موتهم ، مع أنهم ـ لو كانوا يعقلون ـ لعلموا أن القادر على الخلق من العدم ، قادر على إعادة هذا المخلوق من باب أولى ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ..) (٢).
قال الآلوسى : وقوله : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) عطف على مقدر يدل عليه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٥.
(٢) سورة الروم الآية ٢٧.