ما قبله ، كأن قيل : إنهم معترفون بالأول غير منكرين قدرتنا عليه ، فلا وجه لإنكارهم الثاني ، بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف .. (١).
وقال بعض العلماء ما ملخصه : في الآية أسئلة ثلاثة : لم عرف الخلق الأول؟ ولم نكر اللبس؟ ولم نكر الخلق الجديد؟.
وللإجابة على ذلك نقول : عرف الخلق الأول للتعميم والتهويل والتفخيم ومنه تعريف الذكور في قوله (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).
وأما التنكير فأمره منقسم ، فأحيانا يقصد به التفخيم ، من حيث ما فيه من الإبهام .. وهو المقصود هنا من تنكير لفظ (لَبْسٍ). كأنه قيل : بل هم في لبس أى لبس.
وأحيانا يقصد به التقليل والتهوين لأمره ، وهو المقصود هنا بقوله من (خَلْقٍ جَدِيدٍ) أى : أن هذا الخلق الجديد شيء هين بالنسبة إلى الخلق الأول ، وإن كان كل شيء هين بالنسبة إلى قدرة الله ـ تعالى ـ (٢).
ثم صورت السورة الكريمة بعد ذلك علم الله ـ تعالى ـ الشامل لكل شيء تصويرا يأخذ بالألباب ، وبينت سكرات الموت وغمراته ، وأحوال الإنسان عند البعث .. بيانا رهيبا مؤثرا ، قال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٧٨.
(٢) راجع حاشية تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٨٢.