الصعب اشتراكهم فيه لتعاونهم في تحمل أعبائه. لأن كل واحد منكم ، به من العذاب ما هو فوق طاقته ..
ولك أن تجعل الفاعل التمني في قوله : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ...) على معنى : ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين ، وقوله : (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) تعليل ، أى : ولن ينفعكم تمنيكم ، لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب ... وتقويه قراءة من قرأ (أَنَّكُمْ) بالكسر (١).
وبعد هذا التوبيخ الشديد للمعرض عن ذكر الله ولشيطانه ، يوجه الله ـ تعالى ـ خطابه لنبيه صلىاللهعليهوسلم ليزيده تسلية وتثبيتا فيقول : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
والاستفهام للنفي أى : أفأنت ـ أيها الرسول الكريم ـ تستطيع أن تسمع الصم صوتك ، أو أن تهدى الذين انطمست بصائرهم إلى الطريق الحق. أو أن تخرج من كان في الضلال الواضح إلى الهدى والرشاد؟
كلا إنك لن تستطيع ذلك ، لأن الهداية والإضلال ، من الله ـ تعالى ـ وحده. وأنت ـ أيها الرسول الكريم ـ عليك البلاغ ونحن علينا الحساب.
فالمقصود من الآية الكريمة تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم ونهيه من أن يضيق صدره بسبب إعراضهم المستمر عن دعوة الحق ، وبيان أن الهداية والإضلال بيد الله ـ تعالى ـ وحده.
وسماهم ـ سبحانه ـ صما وعميا ، مع أنهم يسمعون ويبصرون ، لأنهم بمنزلة الصم والعمى في عدم انتفاعهم بالهدى والرشاد الذي جاءهم به صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) معطوف على العمى والصم باعتبار تغاير الصفات.
أى : أنت ـ أيها الرسول الكريم ـ لن تستطيع هداية من كان أصم وأعمى ، ومن كان مصرا على الضلال المبين وما دام الأمر كذلك فسر في طريقك ، دون أن تذهب نفسك عليهم حسرات ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) زيادة في تسليته وتثبيته صلىاللهعليهوسلم.
أى : أن أمرك ـ أيها الرسول الكريم ـ مع هؤلاء الظالمين لا يخلو عن حالين : إما أن
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٥٢.