نتوفينك قبل أن ترى نقمتنا منهم .. وفي هذه الحالة فسنتولى نحن عذابهم والانتقام منهم ، حسب إرادتنا ومشيئتنا ، وإما أن نبقى حياتك حتى ترى بعينيك العذاب الذي توعدناهم به ، فإنا عليهم وعلى غيرهم مقتدرون على تنفيذ ما نتوعد به من دون أن يستطيع أحد الإفلات من قبضتنا وقدرتنا.
قال ابن كثير : أى : نحن قادرون على هذا وعلى هذا. ولم يقبض الله ـ تعالى ـ رسوله ، حتى أقر عينه من أعدائه ، وحكمه في نواصيهم ، وملكه ما تضمنته صياصيهم (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (٢).
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ...) واقعة جوابا لشرط مقدر.
أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك من أن أمرك مع هؤلاء المشركين لا يخلو عن حالين : فاستمسك ـ أيها الرسول الكريم ـ بما أوحينا إليك من هدايات وإرشادات (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وطريق قويم لا عوج فيه ولا اضطراب.
(وَإِنَّهُ) أى : هذا القرآن (لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أى : لشرف عظيم لك ولشرف عظيم لأهل مكة الذين بعثت فيهم بصفة خاصة ، ولغيرهم ممن آمن بك بصفة عامة كما قال ـ تعالى ـ : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ...) أى : عزكم وشرفكم.
وقوله : (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) تحذير من مخالفة ما اشتمل عليه هذا القرآن من أحكام وآداب وتشريعات.
أى : وسوف تسألون يوم القيامة عنه ، وعن القيام بحقه ، وعن مقدار تمسككم بأوامره ونواهيه وعن شكركم لله ـ تعالى ـ على منحكم لهذه النعمة.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذا التثبيت لنبيه صلىاللهعليهوسلم تثبيتا آخر فقال : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ).
والمقصود من الآية الكريمة بيان أن الرسل جميعا ، قد دعوا أقوامهم إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢١٥.
(٢) سورة الرعد الآية ٤٠.
(٣) سورة النحل الآية ٣٦.