وكما قال ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (١).
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال لاستحالته ، ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم ، وأنهم ما جاءوا قط بعبادة الأوثان ، وإنما جاءوا بالأمر بعبادة الله ـ تعالى ـ وحده ..
وقيل : إن النبي صلىاللهعليهوسلم جمع الله له الأنبياء ، في ليلة الإسراء في بيت المقدس ، فصلى بهم إماما ، وقيل له سلهم : فلم يتشكك ولم يسأل.
وقيل معناه ، سل أمم من أرسلنا من قبلك ، وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل فإذا سألهم فكأنما سأل ـ رسلهم ـ فالكلام على حذف مضاف (٢).
فالآية الكريمة تقرر على كل الوجوه بأبلغ أسلوب ، أن جميع الرسل قد جاءوا بعقيدة واحدة ، وبدين واحد ، هو عبادة الله ـ تعالى ـ ونبذ كل معبود سواه.
* * *
ثم تمضى السورة الكريمة في تسليتها للرسول صلىاللهعليهوسلم وفي تثبيتها للمؤمنين ، فتذكر جانبا من قصة موسى ـ عليهالسلام مع فرعون ، وكيف أن فرعون سخر من دعوة موسى ـ عليهالسلام ـ وتباهي على قومه بذلك ، وكيف أنه استخف بهم فأطاعوه ، فكانت عاقبته وعاقبتهم أن أغرقهم الله جميعا. قال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ٢٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٥٤.