المثال. أى : جعله مقياسا وشاهدا على إبطال قوله صلىاللهعليهوسلم : إن آلهتهم من حصب جهنم ، وجعل عيسى ـ عليهالسلام ـ نفسه مثلا من باب : الحج عرفة (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أقوالهم التي بنوا عليها باطلهم فقال : (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ...)؟ والضمير (هُوَ) يعود إلى عيسى ـ عليهالسلام ـ.
ومرادهم بالاستفهام تفضيل عيسى ـ عليهالسلام ـ على آلهتهم ، مجاراة للنبي صلىاللهعليهوسلم.
فكأنهم يقولون : لقد أخبرتنا بأن عيسى ابن مريم رسول من رسل الله ـ تعالى ـ وأنه خير من آلهتنا .. فإن كان في النار يوم القيامة لأن الله ـ تعالى ـ يقول : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا في النار.
وقد أبطل الله زعمهم هذا بقوله : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً).
أى : لا تهتم ـ أيها الرسول الكريم ـ بما قالوه ، فإنهم ما ضربوا لك هذا المثل بعيسى إلا من أجل مجادلتك بالباطل ، وليس من أجل الوصول إلى الحق.
وقوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) مؤكد لما قبله من كونهم قالوا ذلك لأجل الجدل بالباطل ، لا لطلب الحق ، وإضراب عن مزاعمهم وعن مجاراتهم في خصومتهم.
أى : ذرهم ـ أيها الرسول الكريم ـ في باطلهم يعمهون ، فإنهم قوم مجبولون على الخصومة ، وعلى اللجاج في الباطل.
فقوله : (خَصِمُونَ) جمع خصم ـ بفتح فكسر ـ وهو الإنسان المبالغ في الجدل والخصومة ، دون أن يكون هدفه الوصول إلى الحق.
وجاء التعبير في قوله : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) بصيغة الجمع ، مع أن ضارب المثل واحد ، وهو ابن الزبعرى ، لأن إسناد فعل الواحد إلى الجماعة ، من الأساليب المعروفة في اللغة العربية ، ومنه قول الشاعر :
فسيف بنى عبس وقد ضربوا به |
|
نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد |
فإنه قد نسب الضرب إلى جميع بنى عبس ، مع تصريحه بأن الضارب واحد ، وهو ورقاء .. ولأنهم لما أيدوا ابن الزبعرى في قوله ، فكأنهم جميعا قد قالوه ..
ثم بين ـ سبحانه ـ حقيقة عيسى ـ عليهالسلام ـ فقال : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ ، وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ٩٢.