أى : ليس هو أى : عيسى ـ عليهالسلام ـ إلا عبد من عبادنا الذين أنعمنا عليهم بنعمة النبوة (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) أى : أمرا عجيبا ، جديرا بأن يسير ذكره كالأمثال (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) الذين أرسلناه إليهم ، حيث خلقناه من غير أب ، وأعطيناه المعجزات الباهرات التي منها : إبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ... وهذا كله دليل على وحدانيتنا ، وكمال قدرتنا ونفاذ إرادتنا.
فالآية الكريمة ترفع من شأن عيسى ـ عليهالسلام ـ ، وتحدد منزلته ، وتنفى عنه غلو المغالين في شأنه ، وإنقاص المنقصين من قدره.
ثم أكد ـ سبحانه ـ كمال قدرته فقال : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ).
و «من» في قوله ـ تعالى ـ (مِنْكُمْ) يصح أن تكون للبدلية ، فيكون المعنى : ولو نشاء إهلاككم أيها الكافرون لفعلنا ولجعلنا بدلا منكم ملائكة يخلفونكم بعد موتكم ، ولكنا لم نشأ ذلك لحكم نحن نعلمها.
ويصح أن تكون للتبعيض فيكون المعنى : ولو نشاء لجعلنا منكم يا رجال قريش ملائكة ، بطريق التوليد منكم ، من غير واسطة نساء ، فهذا أمر سهل علينا ، مع أنه أعجب من حال عيسى الذي تستغربونه ، لأنه جاء من غير أب ، مع أن الأم من طبيعتها الولادة.
فالمقصود بالآية الكريمة بيان أن قدرة الله ـ تعالى ـ لا يعجزها شيء ، وأن ما تعجبوا منه ، الله ـ تعالى ـ قادر على أن يأتى بما هو أعجب منه.
قال صاحب الكشاف : قوله (وَلَوْ نَشاءُ) لقدرتنا على خلق عجائب الأمور ، وبدائع الفطر ، (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) أى : لولدنا منكم يا رجال (مَلائِكَةً) يخلفونكم في الأرض ، كما يخلفكم أولادكم ، كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل ، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ، ولتعلموا أن الملائكة أجسام .. وذات الله ـ تعالى ـ متعالية عن ذلك (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض ما يتعلق بعيسى ـ عليهالسلام ـ فقال : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ).
فالضمير في (إِنَّهُ) يعود إلى عيسى لأن السياق في شأنه ، وقيل يعود إلى القرآن أو إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وضعف ذلك لأن الكلام في شأن عيسى.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٦١.