وقوله : (عُيُوناً) تمييز محول عن المفعول به ، والأصل : وفجرنا عيون الأرض ، ولكن جيء به على هذا الأسلوب المشتمل على التمييز للمبالغة ، حتى لكأن الأرض جميعها قد تحولت إلى عيون متفجرة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) بيان لكمال حكمته ـ تعالى ـ بعد بيان مظاهر قدرته. أى : فاجتمع الماء النازل من السماء ، مع الماء المتفجر من الأرض ، على أمر قد قدره الله ـ تعالى ـ وقضاه أزلا ، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
فالمراد بالماء : ماء السماء وماء الأرض.
وقال ـ سبحانه ـ (فَالْتَقَى الْماءُ) بالإفراد ، لتحقيق أن التقاء الماءين لم يكن بطريقة المجاورة ، بل كان بطريق الاتحاد والاختلاط ، حتى لكأن الماء النازل من السماء. والمتفجر من الأرض ، قد التقيا في مكان واحد كما يلتقى الجيشان المعدان لإهلاك غيرهما.
و (عَلى) في قوله ـ تعالى ـ : (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) للاستعلاء المفيد لشدة التمكن والمطابقة. أى : التقى الماء بعضه ببعض على الحال والشأن الذي قدرناه وقضيناه له ، دون أن يحيد على ذلك قيد شعرة ، إذ كل شيء عندنا بمقدار.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر فضله على عبده نوح ـ عليهالسلام ـ فقال : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ...).
والدّسر : جمع دسار ـ ككتاب وكتب ـ أى : مسامير تربط بعض الخشب ببعض ، وأصل الدسر : الدفع الشديد بقوة ، سمى به المسمار ، لأنه يدق في الخشب فيدفع بقوة.
وقيل : الدسر : الخيوط التي تشد بها ألواح السفينة ، وقيل الدسر : صدرها ومقدمتها ، وقوله : (ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) صفة لموصوف محذوف.
أى : وحملنا نوحا ومن معه من المؤمنين ، على سفينة ذات ألواح من الخشب ومسامير يشد بها هذا الخشب ويربط ..
قال صاحب الكشاف : قوله : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) أراد السفينة ، وهو من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات ، فتنوب منابها ، وتؤدى مؤداها ، بحيث لا يفصل بينها وبينها. وهذا من فصيح الكلام وبديعه .. (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٨.