وعدى فعل (وَحَمَلْناهُ) إلى نوح وحده ، مع أن السفينة حملت معه المؤمنين ، لأن هذا الحمل كان إجابة لدعوته ، وقد جاءت آيات أخرى أخبرت بأن المؤمنين كانوا معه في السفينة ، ومن هذه الآيات ، قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ، فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ...).
وقوله (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أى تجرى هذه السفينة بمرأى منا ، وتحت رعايتنا وقدرتنا.
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي جعلت قوم نوح محل غضب الله ـ تعالى ـ ونقمته فقال : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ).
وقوله : (جَزاءً) مفعول لأجله ، لقوله : (فَفَتَحْنا) وما عطف عليه ، أى : فعلنا ما فعلنا من فتح السماء بماء منهمر ، جزاء لكفرهم بالله ـ تعالى ـ وبنبيه نوح ـ عليهالسلام ـ الذي كان نعمة لهم ، ولكنهم كفروها ولم يشكروا الله عليها ، فاستحقوا الغرق والدمار.
وحذف ـ سبحانه ـ متعلق (كُفِرَ) لدلالة الكلام عليه ، أى : كفر به.
قال الآلوسى. وقوله : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أى : فعلنا ذلك جزاء لنوح ـ عليهالسلام ـ ، فإنه كان نعمة أنعمها الله ـ تعالى ـ على قومه فكفروها ، وكذا كل نبي نعمة من الله ـ تعالى ـ على أمته.
وجوز أن يكون على حذف الجار ، وإيصال الفعل إلى الضمير ، واستتاره في الفعل ، بعد انقلابه مرفوعا. أى : لمن كفر به ، وهو نوح ـ عليهالسلام ـ أى : جحدت نبوته.
فالكفر عليه ضد الإيمان ، وعلى الأول كفران النعمة .. (١).
والضمير المنصوب في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً ...) يعود إلى الفعلة المهلكة التي فعلها الله ـ تعالى ـ بقوم نوح ـ عليهالسلام ـ.
أى : ولقد تركنا فعلتنا بقوم نوح ، وإهلاكنا لهم ، آية وعلامة لمن بعدهم. وعظة وعبرة لمن يعتبر ويتعظ بها.
ويؤيد هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ...) (٢) ويصح أن يكون الضمير بعود إلى السفينة. أى : ولقد أبقينا هذه السفينة من بعد إهلاك قوم نوح ، علامة وعبرة لمن يشاهدها.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٨٣.
(٢) سورة الفرقان الآية ٣٧.