والمراد من هذا الأمر : الخبر. أى : فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط ـ عليهالسلام ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حل بهم من عذاب فقال : (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ ...). والبكرة : أول النهار وهو وقت الصبح ، وجيء بلفظ بكرة للإشعار بتعجيل العذاب لهم ، أى : والله لقد نزل بهم عذابنا في الوقت المبكر من الصباح نزولا دائما ثابتا مستقرا لا ينفك عنهم ، ولا ينفكون عنه .. وقلنا لهم : ذوقوا عذابي ، وسوء عاقبة تكذيبكم لرسولي لوط ـ عليهالسلام ـ.
ثم ختم ـ سبحانه ـ قصتهم بما ختم به القصص السابقة فقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما فائدة تكرير قوله : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟.
قلت : فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارا واتعاظا ، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه ، وأن يقرع لهم العصا مرات ، ويقعقع لهم الشن تارات لئلا يغلبهم السهو ، ولا تستولى عليهم الغفلة ، وهذا حكم التكرير ، كقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن.
وكقوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عند كل آية أوردها في سورة المرسلات ، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها ، لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب ، مصورة للأذهان ، مذكورة غير منسية في كل أوان .. (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة ، ببيان ما حل بفرعون وقومه ، وبتحذير مشركي قريش من سوء عاقبة كفرهم ، وببيان ما أعد لهم من عذاب يوم القيامة ، وبتبشير المتقين بحسن العاقبة فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤١.