ويحتمل أن لفظ دون هنا : بمعنى أقل ، أى : وأقل من تلك الجنتين في المنزلة والقدر ، جنتان أخريان ..
وعلى هذا المعنى سار جمهور المفسرين ، ومن المفسرين الذين ساروا على هذا الرأى الإمام ابن كثير ، فقد قال ـ رحمهالله ـ هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة ، بنص القرآن ، فقد قال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) ..
فالأوليان للمقربين ، والأخريان : لأصحاب اليمين ..
والدليل على شرف الأولين على الأخريين وجوه :
أحدها : أنه نعت الأوليين قبل هاتين ، والتقديم يدل على الاعتناء ، ثم قال : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) وهذا ظاهر في شرف المتقدم ، وعلوه على الثاني.
وقال هناك (ذَواتا أَفْنانٍ) وهي الأغصان ، أو الفنون في الملاذ : وقال هاهنا (مُدْهامَّتانِ) أى : سوداوان من شدة الري من الماء .. (١).
وقال الإمام القرطبي : فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين ، كما ذكر أهل الجنتين الأوليين؟.
قيل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه. إلا أن الخائفين مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد منزلة في الخوف من الله ـ تعالى ـ ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله ـ تعالى ـ (٢).
وقال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) مبتدأ وخبر أى : ومن دون تينك الجنتين في المنزلة والقدر جنتان أخريان والأكثرون على أن الأوليين للسابقين ، وهاتين لأصحاب اليمين ...
وقوله : (مُدْهامَّتانِ) صفة للجنتين .. أى : هما شديدتا الخضرة ، والخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد من كثرة الري .. (٣).
ثم فصل ـ سبحانه ـ أوصاف هاتين الجنتين فقال : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) أى : فوارتان بالماء الذي لا ينقطع منهما من النضخ وهو فوران الماء من العيون مع حسنه وجماله.
(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وعطف ـ سبحانه ـ النخل والرمان على الفاكهة مع أنهما منها ، لفضلهما ، فكأنهما لما لهما من المزية جنسان آخران.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٧٩.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٨٤.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٢١.