وقوله : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) صفة أخرى من صفاته ـ عزوجل ـ أى : هو الخالق للحياة لمن شاء أن يحييه ، وهو الخالق للموت لمن أراد أن يميته.
وهذه الجملة خبر لمبتدأ محذوف ، وهي في الوقت نفسه بدل اشتمال مما قبلها إذ الإحياء والإماتة ، مما يشتمل عليه ملك السموات والأرض.
وخص ـ سبحانه ـ هاتين الصفتين بالذكر ، لأنه هو المتفرد بهما ، ولا يستطيع أحد أن يدعى أن له عملا فيهما ، ومن ادعى ذلك كانت دعواه من قبيل المغالطة والمجادلة بالباطل ، إذ الموجد الحقيقي لهما هو الله ـ عزوجل ـ وما سواه فهو سبب لهما.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل مؤكد لما قبله. أى : وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء من الأشياء التي من جملتها ما ذكر ـ قدير على إيجادها أو إعدامها.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ، وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
أى : هو ـ سبحانه ـ الأول والسابق على جميع الموجودات ، إذ هو موجدها ومحدثها ابتداء. فهو موجود قبل كل شيء وجودا لا حد ولا وقت لبدايته.
(وَالْآخِرُ) أى : الباقي بعد هلاك وفناء جميع الموجودات ، كما قال ـ تعالى ـ : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
وآثر لفظ (الْآخِرُ) على لفظ الباقي ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين ...
وهو (الظَّاهِرُ) أى : الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التي أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق ، وكل موجود لا بد له من موجد.
فلفظ (الظَّاهِرُ) مشتق من الظهور الذي هو ضد الخفاء ، والمراد به هنا ظهور الأدلة العقلية والنقلية على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه.
ويجوز أن يكون مشتقا من الظهور ، بمعنى الغلبة والعلو على الغير ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ..).
وعليه يكون المعنى : وهو الغالب العالي على كل شيء.
وهو (الْباطِنُ) من البطون بمعنى الخفاء والاستتار ، أى : وهو ـ سبحانه ـ المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار ، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول ، كما قال ـ تعالى ـ