قلت : المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله ـ تعالى ـ ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح المطغى الملهى عن الشكر.
فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام ، والسرور بنعمة الله ، والاعتداد بها مع الشكر ، فلا بأس بهما (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ).
أى : والله ـ تعالى ـ لا يحب أحدا من شأنه الاختيال بما آتاه ـ سبحانه ـ من نعم دون أن يشكره ـ تعالى ـ عليها ، ومن شأنه ـ أيضا ـ التفاخر والتباهي على الناس بما عنده من أموال وأولاد .. وإنما يحب الله ـ تعالى ـ من كان من عباده متواضعا حليما شاكرا لخالقه ـ عزوجل ـ.
فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد سكبتا في قلب المؤمن ، كل معاني الثقة والرضا بقضاء الله في كل الأحوال.
وليس معنى ذلك عدم مباشرة الأسباب التي شرعها الله ـ تعالى ـ لأن ما سجله الله في كتابه علينا قبل أن يخلقنا ، لا علم لنا به. وإنما علمه مرده إليه وحده ـ تعالى ـ.
وهو ـ سبحانه ـ لا يحاسبنا على ما نجهله ، وإنما يحاسبنا على ما أمرنا به ، أو نهانا عنه عن طريق رسوله صلىاللهعليهوسلم.
وكما سجل ـ سبحانه ـ أحوالنا قبل أن يخلقنا ، فقد شرع الأسباب وأمرنا بمباشرتها. وبين لنا في كثير من آياته ، أن جزاءنا من خير أو شر على حسب أعمالنا.
وعند ما قال بعض الصحابة للنبي صلىاللهعليهوسلم : أفلا نتكل على ما قدره الله علينا؟
أجابهم بقوله : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له».
وقوله ـ سبحانه ـ بعد ذلك : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بدل من قوله ـ تعالى ـ : (كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) والمراد بالذين يبخلون : كل من يبخل بماله أو بعلمه .. فكأنه ـ تعالى ـ يقول : والله لا يحب الذين يبخلون بما أعطاهم من فضله ، بخلا يجعلهم لا ينفقون شيئا منه في وجوه الخير ، لأن حبهم لأموالهم جعلهم يمسكونها ويشحون بها شحا شديدا .. ولا يكنفون بذلك ، بل يأمرون غيرهم بالبخل والشح.
وعلى رأس هؤلاء الذين لا يحبهم الله ـ تعالى ـ المنافقون ، فقد كانوا يبخلون بأموالهم عن إنفاق شيء منها في سبيل الله ، وكانوا يتواصون بذلك فيما بينهم ، فقد قال ـ سبحانه ـ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٦.