مرتين ، أنزل الله هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ...) في حق هذه الأمة.
وهي كقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
ومما يؤيد هذا القول ـ أى : أن هذه الآية في حق هذه الأمة ـ ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال : من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ ألا فعملت اليهود.
ثم قال : من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ ألا فعملت النصارى.
ثم قال : من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين عملتم فغضبت النصارى واليهود ، وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء. قال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ، قالوا لا : قال فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء (١).
ويرى بعض المفسرين أن الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب ، فيكون المعنى : يا من آمنتم بموسى وبعيسى وبمحمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ اتقوا الله وآمنوا برسوله صلىاللهعليهوسلم واثبتوا على ذلك ، يؤتكم الله ـ تعالى ـ كفلين من رحمته.
وليعلم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب ، أنهم لن ينالوا شيئا مما ناله المؤمنون منهم.
ومن المفسرين الذين ساروا على هذا التفسير الإمام ابن جرير ، فقد قال ـ رحمهالله ـ عند تفسيره لهذه الآية : يقول ـ تعالى ذكره ـ : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين : التوراة والإنجيل ، خافوا الله ، وآمنوا برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ..
أى : يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى وبمحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ (٢).
ويبدو لنا أن الخطاب في هذه الآية للمؤمنين من هذه الأمة ، على سبيل الحض والتبشير ، وأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ ...) واضح في ذلك ، وان جعل الخطاب لمؤمنى أهل الكتاب لا دليل عليه.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٦٧.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٢٧ ص ٢٤٢.