فإنهم إذا علموا أن قرب الأغنياء من الرسول صلىاللهعليهوسلم ومناجاتهم له ، تسبقها الصدقة ، لم يضجروا.
ومنها : عدم شغل الرسول صلىاللهعليهوسلم بما لا يكون مهما من الأمور ، فيتفرغ للرسالة. فإن الناس وقد جبلوا على الشح بالمال ، يقتصدون في المناجاة التي تسبقها الصدقة.
ومنها : تمييز محب الدنيا من محب الآخرة ، فإن المال محك الدواعي (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر لطفه بعباده فقال : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ).
الإشفاق معناه : أن يتوقع الإنسان عدم حصوله على ما يريده والمراد به هنا : الخوف.
والاستفهام مستعمل فيما يشبه اللوم والعتاب ، لتخلف بعضهم عن مناجاة الرسول صلىاللهعليهوسلم بسبب تقديم الصدقة.
و «إذ» في قوله : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) ظرفية مفيدة للتعليل.
والمعنى : أخفتم ـ أيها المؤمنون ـ أن تقدموا قبل مناجاتكم للرسول صلىاللهعليهوسلم صدقة فيصيبكم بسبب ذلك الفقر ، إذا ما واظبتم على ذلك.
(فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أى : فحين لم تفعلوا ما كلفناكم به من تقديم الصدقة قبل مناجاتكم للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتاب الله ـ تعالى ـ عليكم ، بأن رخص لكم في هذه المناجاة بدون تقديم صدقة ، وخفف عنكم ما كان قد كلفكم به ـ سبحانه ـ والفاء في قوله : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. وَآتُوا الزَّكاةَ ، وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) معطوفة على كلام محذوف.
أى : فحين خففنا عنكم الصدقة ـ بفضلنا ورحمتنا ـ فداوموا على إقامة الصلاة ، وعلى إعطاء الزكاة لمستحقيها ، وأطيعوا الله ورسوله ، في كل ما أمركم به أو نهاكم عنه.
واعلموا أن الله ـ تعالى ـ خبير بما تعملون ، ولا يخفى عليه شيء من أقوالكم أو أفعالكم ، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية ناسخة للتي قبلها ، لأنها أسقطت وجوب تقديم الصدقة الذي أمرت به الآية السابقة.
وقد لخص الإمام الآلوسى كلام العلماء في هذه المسألة تلخيصا حسنا فقال : «واختلف في أن الأمر للندب أو للوجوب ، لكنه نسخ بقوله ـ تعالى ـ : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...)
__________________
(١) تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ١٣١ للشيخ محمد على السائس.